وفاة المستشار شعبان الشامي.. قاضي القضايا الشائكة والصرامة الرحيمة في مصر

ودّعت مصر صباح اليوم واحدًا من أبرز أعمدة القضاء في تاريخها الحديث، المستشار شعبان الشامي، الذي وافته المنية بعد مسيرة قضائية امتدت قرابة 50 عامًا، اتسمت بالحسم والانضباط، والتعامل مع أكثر الملفات حساسية في تاريخ القضاء المصري.المستشار الراحل لم يكن مجرد قاضٍ عادي، بل صاحب بصمة فريدة في كل قضية تولاها، بدءًا من أحداث يناير 1977 المعروفة بـ"ثورة الحرامية" مرورًا بملفات الفتنة الطائفية، وصولًا إلى محاكمات قادة جماعة الإخوان المسلمين عقب ثورة 30 يونيو.
سيرة ذاتية حافلة بالمسؤوليات
وُلد المستشار شعبان الشامي في بيئة مصرية محافظة، وتخرج من كلية الحقوق بجامعة عين شمس عام 1975 بتقدير جيد جدًا. عُيّن بعدها معاونًا للنيابة العامة عام 1976، وسرعان ما صعد درجات السلك القضائي ليصبح رئيس نيابة في عام 1981، ثم انتقل للعمل قاضيًا في المحاكم الابتدائية، ليعود لاحقًا إلى النيابة العامة في موقع رئيس نيابة شمال القاهرة.
بحلول عام 2002، استقر الشامي في محاكم الجنايات، حيث تولى أشهر وأصعب القضايا التي شغلت الرأي العام المصري لسنوات.
قاضي القضايا الساخنة.. من أحداث يناير إلى محاكمات الجماعات
من أبرز ما عُرف عن الشامي هو تكليفه بالتحقيق في أحداث 18 و19 يناير 1977، والتي أطلق عليها الرئيس الراحل أنور السادات اسم "ثورة الحرامية"، لما تخللها من أعمال شغب واسعة في القاهرة وعدد من المحافظات.
وفي عام 1981، تولى التحقيق في ملف الفتنة الطائفية في حي الزاوية الحمراء، وما تبعه من أحداث مؤسفة في كنيسة مسرة بشبرا، حيث أُلقيت قنبلة من قِبل عناصر متطرفة، مما جعل القضية في غاية الخطورة والحساسية.
كما تولى التحقيق في أحداث سنورس بمحافظة الفيوم، التي شهدت توترات بين المسلمين والمسيحيين في ثمانينيات القرن الماضي.
أول من أدخل الحوسبة في العمل القضائي
لم يكن الشامي فقط قاضيًا تقليديًا، بل كان رائدًا في تطوير البنية التكنولوجية للقضاء المصري، ففي عام 1994، كان من أوائل القضاة الذين أدخلوا نظام الحوسبة الإلكترونية لحفظ القضايا والأحكام. هذا التحرك السابق لعصره ساعد في أرشفة كم هائل من الوثائق وسهل عملية الوصول إلى السوابق القضائية في زمن كان لا يزال القضاء يعتمد على الورق بشكل شبه كامل.
حضور صارم... وإنساني
رغم ما اشتهر به المستشار شعبان الشامي من صرامة شديدة داخل قاعات المحاكم، إلا أن المقربين منه وصفوه بأنه كان يتمتع بحس إنساني رفيع، وكان يحرص دائمًا على المزاح الرزين والدعابة الهادئة في جلساته، مما كان يُضفي نوعًا من التوازن على أجواء المحاكمات شديدة التوتر.
أبرز القضايا في العصر الحديث
يشتهر الشامي بأنه القاضي الذي ترأس دوائر محاكمة العديد من القيادات البارزة في جماعة الإخوان المسلمين بعد عام 2013، وكان اسمه حاضرًا بقوة في الإعلام المحلي والعربي خلال جلسات إصدار أحكام بالإعدام أو السجن المؤبد في قضايا من الوزن الثقيل، مثل اقتحام السجون، والتخابر مع جهات أجنبية.
إرث قضائي طويل وأثر لن يُنسى
رحيل المستشار شعبان الشامي ليس مجرد فقدان شخصية قضائية، بل فقدان لمرحلة كاملة من تاريخ العدالة المصرية، حيث مثل نموذجًا للقاضي الوطني، المهني، الذي لا يخضع للضغوط، ويزن الأمور بميزان القانون وحده.
وستظل ذكراه حاضرة في أروقة المحاكم وبين زملائه وتلامذته من رجال النيابة والقضاء الذين تتلمذوا على يديه.