طرد العلويين من منازلهم في دمشق يثير المخاوف من انتقام طائفي في سوريا

أقتحم 12 رجلًا ملثمًا منزل عائلة أم حسن في قلب العاصمة السورية دمشق، وهددوا أفراد الأسرة ببنادق الكلاشينكوف، وأمروهم بمغادرة المنزل فورًا. لم تنجُ وثائق الملكية ولا توسلات العائلة من بطش المقتحمين، الذين اعتقلوا الشقيق الأكبر للعائلة، مشترطين مغادرتهم مقابل إطلاق سراحه.
أم حسن، التي تنتمي للطائفة العلوية، لم تكن وحدها. بل كانت واحدة من مئات العائلات العلوية التي تعرضت لمصير مماثل، في سلسلة من عمليات الإخلاء القسري التي اجتاحت العاصمة السورية منذ تولي الرئيس المؤقت أحمد الشرع السلطة في ديسمبر 2024، عقب الإطاحة ببشار الأسد.
عمليات طرد ممنهجة.. وحقوق الملكية لا تحمي
رغم أن العائلة كانت تمتلك المنزل بوثائق رسمية، إلا أن ذلك لم يمنع المسلحين من تنفيذ تهديدهم. وبعد 24 ساعة من المساومة والخوف، سلّمت الأسرة منزلها واستلمت ابنها، الذي خرج منهكًا وعليه آثار كدمات وضرب من مقر الأمن العام المحلي.
وتروي أم حسن، التي رفضت ذكر اسمها الكامل خوفًا من الانتقام:
"من يوم ما راح الأسد، إحنا مش آمنين ببيوتنا رغم إننا أصحابها الشرعيين."
منظمة "سوريون من أجل الحقيقة والعدالة" أكدت عبر مديرها التنفيذي بسام الأحمد أن هذه الحوادث ليست فردية:
"نحن نتحدث عن مئات، وربما آلاف، من حالات الطرد القسري لعلويين من منازلهم الخاصة في دمشق، بعضها موثق بالكامل."
أبعاد سياسية وطائفية مقلقة
وبحسب تقارير موثوقة من مسؤولين سوريين ومصادر حقوقية، فإن قوات الأمن التابعة للنظام الجديد بدأت منذ بداية العام حملة لإخلاء عدد كبير من العلويين من مساكنهم، خصوصًا تلك المرتبطة بوظائفهم السابقة في الدولة أو الأمن أو الإعلام، بحجة انتهاء علاقتهم بالوظيفة.
لكن الخطير، كما تكشفه تحقيقات رويترز، هو استهداف منازل مملوكة لعائلات علوية، وليس فقط مساكن حكومية، ما يثير شبهات بأن الطرد يتم بدافع طائفي، لا إداري أو قانوني.
ويشير أحد المسؤولين إلى أن "ما يحدث هو شكل من أشكال الانتقام الجماعي"، بعد عقود من هيمنة الطائفة العلوية على مفاصل الحكم في عهد بشار ووالده حافظ الأسد، اللذين قمعا المعارضة السنية لعقود، وفقًا للبيانات التاريخية والديمغرافية.
خلفيات دموية وتوتر طائفي متصاعد
في مارس الماضي، قُتل مئات العلويين في الساحل السوري، في رد فعل على كمين نصبته ميليشيات موالية للأسد استهدف قوات الأمن الجديدة، وهو ما فجّر موجة من العنف الطائفي امتدت حتى العاصمة دمشق، وتحديدًا في منطقتي جرمانا وصحنايا، ذات الأغلبية الدرزية.
وتؤكد التقارير أن التسجيل الصوتي المسيء للنبي محمد، المنسوب لأحد أبناء الطائفة العلوية، كان الشرارة التي أطلقت موجة العنف، حيث اندلعت اشتباكات دامية بين علويين وسنة، أسفرت عن مقتل أكثر من 22 شخصًا في صحنايا وحدها، بينهم مقاتلون وأفراد أمن، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان.
صمت رسمي.. وتخوف شعبي
وزارة الداخلية السورية ومكتب الرئيس المؤقت أحمد الشرع لم يعلّقا على طلبات رويترز بشأن هذه الوقائع. ويأتي ذلك في ظل صمت حكومي واسع النطاق حيال هذه الانتهاكات، التي تتزامن مع مساعي الشرع لتقديم نفسه كرئيس توافقي، يسعى إلى حكم يشمل جميع السوريين.
إلا أن التقارير الحقوقية المتزايدة عن "استهداف العلويين"، تصعّب من مهمة الشرع في احتواء الأزمة، وتزيد من تخوف الأقليات من مستقبل مضطرب تحت سلطة جديدة لا تزال تحمل خلفيات إسلامية متشددة، رغم تعهداتها بانفصالها عن الفكر المتطرف.
يتعرض العلويون في دمشق لحملة طرد وتهجير ممنهجة
منذ الإطاحة ببشار الأسد، يتعرض العلويون في دمشق لحملة طرد وتهجير ممنهجة، تكشف عن واقع جديد أكثر خطورة في المشهد السوري، حيث يُعاد رسم الخرائط الطائفية تحت غطاء الشرعية الثورية. ومع تصاعد التوترات، تبدو الوعود بحكم يشمل الجميع عرضة للانهيار أمام الوقائع الميدانية.