الصباح اليوم
بوابة الصباح اليوم

الأخبار

الزاوية تحت النار.. اشتباكات دامية بين المليشيات تكشف هشاشة الأمن غرب ليبيا

اشتباكات في ليبيا
-

شهد مدينة الزاوية الليبية منذ فجر اليوم الأربعاء، اشتباكات مسلحة عنيفة بين مليشيات متناحرة، في أحدث فصل من فصول الفوضى الأمنية التي تضرب الغرب الليبي، وسط صمت رسمي مطبق واستغاثات متكررة من المدنيين المحاصرين في مناطق الاشتباك.

وبحسب ما أفادت به مصادر ميدانية وشهود عيان لموقع العين الإخبارية، فإن المواجهات اندلعت بين مجموعتي "الغويل" و"نصرات" في منطقة الركينة، واُستخدمت فيها أسلحة خفيفة وثقيلة وقذائف عشوائية، ما أسفر عن سقوط قتلى وجرحى، بينهم مدنيون، في ظل انقطاع الكهرباء وتعطّل خدمات الإسعاف.

محمد الشيباني.. ضحية قذيفة داخل منزله

ومن بين ضحايا هذه المواجهات، الشاب محمد الشيباني، أحد أبناء المدينة، الذي فقد حياته داخل منزله جراء شظايا قذيفة عشوائية سقطت في حي سكني. وما تزال الحصيلة الحقيقية للضحايا مجهولة حتى اللحظة، بسبب استمرار الاشتباكات، وصعوبة الوصول إلى مناطق النزاع التي باتت معزولة بالكامل عن العالم الخارجي.

الهلال الأحمر: الوضع كارثي

أكد الهلال الأحمر الليبي - فرع الزاوية أنه تلقى عشرات نداءات الاستغاثة من عائلات عالقة داخل مناطق الاشتباك، خصوصًا في أحياء الركينة وسوق التمر، حيث تتعرض المنازل لقصف عشوائي وانهيارات، وسط غياب تام للخدمات الأساسية من كهرباء ومياه.

وقال أحد المسعفين:

"الوضع مأساوي. القذائف تتساقط فوق رؤوس المدنيين، وهناك عائلات كاملة محاصرة، ولا يمكننا الوصول إليهم بسبب كثافة النيران".

مدينة الزاوية.. ساحة صراع بلا سيادة

تُعد مدينة الزاوية من أخطر البؤر الأمنية في غرب ليبيا، إذ تضم واحدة من أكبر مصافي النفط في البلاد، وتتمركز فيها عدة مليشيات مسلحة تتنازع النفوذ والسيطرة على طرق التهريب والمواقع الاقتصادية الحساسة.

ومنذ سنوات، تحولت المدينة إلى مركز لعمليات تهريب الوقود والأسلحة والمهاجرين غير الشرعيين، في ظل غياب فاعل للدولة ومؤسساتها الأمنية، مما جعل الزاوية هدفًا مستمرًا للصراعات المسلحة بين الفصائل المختلفة.

فوضى السلاح.. أرقام مفزعة

منذ إسقاط نظام معمر القذافي عام 2011، تعيش ليبيا في دوامة من الفوضى الأمنية والسياسية، وسط انتشار مخيف للسلاح خارج يد الدولة.

وتشير تقارير غير رسمية إلى وجود أكثر من 29 مليون قطعة سلاح داخل البلاد، في بلد لا يتجاوز عدد سكانه 7 ملايين نسمة، ما يجعل ليبيا واحدة من أكثر الدول تسلحًا مقارنة بعدد سكانها.

غياب الدولة.. والمليشيات تحكم

يرى الباحث في الشأن الليبي، ياسين المهدي، أن ما يحدث في الزاوية هو "ترجمة مباشرة لفشل مشروع توحيد المؤسسة الأمنية"، مشيرًا إلى أن كل مليشيا اليوم تمثل كيانًا منفصلًا مدعومًا خارجيًا أو محليًا، يسعى للسيطرة على موارد ومنافذ التهريب والسلطة.

ويؤكد المهدي أن المشهد الليبي "لا يزال رهينًا للسلاح والمال والنفوذ، دون وجود مشروع حقيقي لبناء دولة مدنية".

صمت رسمي مريب

ورغم خطورة الموقف، لم تُصدر أي جهة حكومية ليبية حتى لحظة نشر التقرير أي بيان رسمي حول الاشتباكات أو الخسائر البشرية والمادية، مما أثار حالة من القلق بين السكان الذين يتخوفون من اتساع نطاق المواجهات ووصولها إلى مناطق أخرى في المدينة أو مدن مجاورة.

ويرى مراقبون أن دوافع الاشتباك الأخير تعود إلى خلافات على مسارات التهريب وتقاسم الأرباح الناتجة عن المصفاة، إضافة إلى صراعات قديمة تتجدد بين الحين والآخر.

الأشتباكات صورة مصغّرة لحالة الانهيار المؤسسي في ليبيا

ما تشهده الزاوية اليوم ليس اشتباكًا عابرًا، بل صورة مصغّرة لحالة الانهيار المؤسسي في ليبيا. فمدينة النفط والتهريب أصبحت مدينة الموت المجاني، حيث يُترك المدنيون لمصيرهم في ظل تقاعس رسمي، وتغوّل مليشيات لا تعترف إلا بلغة السلاح.

وفي غياب الدولة، تبقى المأساة الليبية مستمرة... والزاوية تحت النار.