العنف في إثيوبيا منذ تولي آبي أحمد السلطة ..غامبيلا نموذجًا.. جذور الصراع، تحولات الحكم، وكلفة الأمن الهش

دخلت إثيوبيا مرحلة انتقالية معقّدة منذ وصول آبي أحمد إلى رئاسة الوزراء عام 2018، حملت وعود الإصلاح والانفتاح، لكنها سرعان ما اصطدمت بواقع شديد التعقيد من الانقسامات العرقية، وتفكك منظومات الأمن المحلي، وتراكم مظالم تاريخية لم تُحل. وعلى امتداد السنوات اللاحقة، تحولت أقاليم عدة إلى بؤر توتر متكررة، كان آخرها التصعيد الدموي في إقليم غامبيلا أواخر ديسمبر 2025، الذي أعاد إلى الواجهة سؤال الاستقرار ومستقبل الدولة متعددة القوميات.
غامبيلا.. جغرافيا حساسة وتاريخ قابل للاشتعال
يقع إقليم غامبيلا غرب البلاد على تماس مع جنوب السودان، ويتميز بتركيبة سكانية معقدة (أنواك، نوير، مجموعات أخرى)، وحدود رخوة، وتدفقات لاجئين متكررة. هذه العوامل جعلته ساحة هشّة قابلة للاشتعال مع أي شرارة أمنية. تاريخيًا، شهد الإقليم دورات عنف متقطعة، لكن وتيرتها ارتفعت في السنوات الأخيرة مع تراجع قدرة الدولة على الضبط السريع.

يوم واحد.. عشرات القتلى ومئات الجرحى
في 24 ديسمبر 2025، هزّ الإقليم هجوم واسع النطاق في منطقة ثاربام الفرعية بمقاطعة إيتانغ الخاصة، أسفر – وفق مصادر محلية – عن مقتل ما لا يقل عن 47 شخصًا خلال يوم واحد، مع مؤشرات على أن الحصيلة قد تكون أعلى بسبب ضحايا احترقوا داخل منازلهم. تعثّر الوصول إلى المرافق الصحية بفعل إغلاق الطرق وانعدام الأمن، واضطر مصابون للتوجه إلى منشآت تابعة لمنظمة أطباء بلا حدود في مخيم كول للاجئين.
استجابة إنسانية تحت الضغط
أعلنت المنظمة أنها استقبلت أكثر من 100 مصاب بأسلحة خلال يوم واحد، وفعّلت خطة استجابة للكوارث الجماعية قبل ذلك بأيام، محذّرة من تعطل العيادات الخارجية ومسارات الإحالة، وما يترتب عليه من وفيات يمكن تجنبها.
قرارات طارئة.. حظر تجول وسلاح تحت القيد

ردًا على التصعيد، فرضت حكومة الإقليم حظر تجول ليلي غير محدد المدة، وحظرت حمل السلاح لغير المصرّح لهم. إجراءات تُظهر حجم القلق الرسمي، لكنها تثير تساؤلات حول فعاليتها المستدامة في بيئة تتغذى فيها الأزمة على عوامل أعمق من مجرد الضبط المؤقت.
لماذا تتكرر هذه الأحداث منذ 2018؟
1) الانفتاح السياسي بلا مظلة أمنية كافية
إصلاحات البدايات فتحت المجال العام وأطلقت تنافسًا هويّاتيًا لم تُواكبه إعادة بناء مؤسسية للأمن المحلي، ما خلق فراغات استغلتها جماعات مسلحة ونزاعات مجتمعية.
2) الفيدرالية العرقية تحت الاختبار
النظام الفيدرالي القائم على القوميات منح صلاحيات واسعة للأقاليم، لكنه عمّق أيضًا تنافسًا على الأرض والموارد والسلطة المحلية، خصوصًا حيث الحدود الإدارية غير متفق عليها اجتماعيًا.
3) تسييس السلاح وتعدد مراكز القوة
انتشار السلاح الخفيف، وظهور قوات محلية/ميليشيات، وانقسامات داخل أجهزة الأمن، قوّضت الاستجابة السريعة وأضعفت الردع.
4) أثر الصراعات الكبرى
حرب تيغراي (2020–2022) وما تلاها استنزفت الدولة وأعادت رسم أولوياتها الأمنية، مع انتقال عدوى العنف إلى أقاليم أخرى.

5) العامل الحدودي
التداخل مع جنوب السودان وتدفقات اللاجئين والتهريب عبر الحدود يضاعف هشاشة غامبيلا ويعقّد أي معالجة أمنية داخلية بحتة.
بين الرواية الرسمية والوقائع الميدانية
تنفي الحكومة أحيانًا مزاعم التواطؤ عبر الحدود، وتقرّ في الوقت ذاته بأن الظروف الأمنية قيّدت الحركة حتى لطالبي العلاج. هذا التباين يعكس فجوة ثقة بين المركز والأطراف، ويغذّي السرديات المتناقضة في غياب تحقيقات شفافة مستقلة.
كلفة إنسانية وسياسية واقتصادية
-
إنسانيًا: قتلى وجرحى ونزوح، وتعطل خدمات أساسية.
-
سياسيًا: تآكل الثقة في الدولة وقدرتها على الحماية.
-
اقتصاديًا: عزوف استثماري محلي، وتراجع الأنشطة الزراعية والتجارية في مناطق النزاع.
ما الذي يمكن أن يحدّ من دوّامة العنف؟
-
إصلاح أمني لامركزي يعيد بناء الثقة مع المجتمعات المحلية ويُوحّد قنوات القيادة.
-
مسار مصالحة محلية يعالج جذور النزاع العرقي على الأرض والموارد.
-
ضبط السلاح عبر برامج نزع تدريجي مقابل حوافز تنموية.
-
تنمية حدودية مشتركة مع جنوب السودان تقلّل اقتصاد العنف.
-
شفافية ومساءلة عبر تحقيقات مستقلة وحماية المدنيين كأولوية.
هشاشة أمنياة مزمنة
حادثة غامبيلا ليست استثناءً، بل مرآة لمسار متعثر منذ 2018، حيث تتقاطع الإصلاحات السياسية مع هشاشة أمنياة مزمنة. إن كسر الحلقة يتطلب انتقالًا من ردود الفعل الطارئة إلى حلول بنيوية طويلة النفس، تُعيد للدولة احتكارها المشروع للقوة، وتمنح المجتمعات المحلية أفقًا آمنًا للحياة والتنمية.

