مدّعو النبوة في السنوات الأخيرة.. بين الهوس الديني وتضليل الجماهير ونبوءات نهاية العالم

شهد العالم خلال السنوات الأخيرة تصاعدًا ملحوظًا في ظاهرة مدّعي النبوة، وهي ظاهرة قديمة متجددة، تعود للظهور بقوة كلما اشتدت الأزمات الاقتصادية، أو تفاقمت الحروب، أو سادت حالة من القلق الوجودي لدى المجتمعات. ومع الانتشار الواسع لمنصات التواصل الاجتماعي، تحولت هذه الادعاءات من حالات فردية معزولة إلى حركات رقمية منظمة قادرة على استقطاب مئات الآلاف، بل وملايين المتابعين في وقت قياسي.
لماذا يعود مدّعو النبوة إلى الواجهة؟
الاضطراب النفسي الجمعي
يرى علماء الاجتماع أن مدّعي النبوة يظهرون غالبًا في فترات الاضطراب النفسي الجمعي، حيث يبحث الناس عن الخلاص والمعنى، ويصبحون أكثر قابلية لتصديق الخطاب الغيبي، خاصة عندما يُغلّف بلغة دينية، أو يُقدَّم في صورة “رسالة إلهية” تحمل وعود النجاة والاصطفاء.
وفي العصر الرقمي، لم يعد مدّعي النبوة بحاجة إلى منابر تقليدية أو أتباع محليين فقط، بل بات بإمكانه مخاطبة العالم بأسره عبر هاتف ذكي، وبث روايته دون رقابة حقيقية، مستغلًا الخوارزميات التي تروّج للمحتوى المثير والغرائبي.
شاب من غانا يشعل الجدل.. من هو «إيبوه نوح»؟
من بين أحدث وأبرز هذه الحالات، برز شاب غاني يطلق على نفسه لقب «إيبوه نوح»، نجح خلال فترة قصيرة في التحول إلى ظاهرة رقمية مثيرة للجدل على منصة تيك توك، بعد أن أعلن صراحةً ادعاءه النبوة، وزعمه أن الله كلّفه بمهمة شبيهة بقصة النبي نوح.
كيف روّج لرواية «الطوفان العظيم»؟
غرق العالم في 2025
اعتمد «إيبوه نوح» على سردية درامية قوية، تقوم على فكرة أن العالم مقبل على طوفان عظيم في ديسمبر 2025، سيغرق الأرض بأكملها، ويقضي على البشرية، باستثناء “المختارين” الذين سيصعدون إلى السفن التي قال إنه مأمور ببنائها.
ووفقًا لما روّجه عبر مقاطع فيديو متتالية:
-
الطوفان سيستمر من 3 إلى 4 سنوات.
-
ما سيحدث هو “إعادة ضبط للعالم”.
-
النجاة حكر على من يؤمن به ويتبعه.
هذا الخطاب، المشبع بالخوف ونبوءات النهاية، مكّنه من حصد أكثر من مليون متابع خلال وقت قصير، وسط تفاعل واسع وتعليقات تعكس حالة هلع حقيقية لدى بعض المتابعين.

السفن، الأتباع، والمال.. كيف تحولت النبوءة إلى مشروع؟
في مرحلة لاحقة، صعّد «إيبوه نوح» من ادعاءاته، معلنًا أنه أكمل بالفعل بناء عدة سفن خشبية عملاقة، وأن ما يقرب من 380 ألف شخص من أتباعه يستعدون للتجمع والصلاة ثم السفر للصعود إلى هذه السفن قبل لحظات من “نهاية العالم”.
الأخطر في القصة أن:
-
بعض الأتباع باعوا منازلهم وممتلكاتهم.
-
آخرون قدّموا أموالًا طائلة مقابل “ضمان مقعد” على متن السفن.
-
توافد مؤيدون من دول أفريقية مجاورة، بدافع الخوف والرغبة في النجاة.
هذا المشهد أعاد إلى الأذهان حوادث الهلع الجماعي المرتبطة بنبوءات نهاية العالم، والتي انتهت في حالات كثيرة بكوارث إنسانية أو استغلال مالي ونفسي واسع النطاق.

تدخل السلطات.. حين تصطدم النبوءة بالقانون

مع اقتراب الموعد الذي حدده، تدخلت السلطات الغانية وألقت القبض على «إيبوه نوح» بتهم تتعلق بـ:
-
نشر أخبار كاذبة
-
تضليل الرأي العام
-
إثارة الفزع بين المواطنين
ورغم الإفراج عنه لاحقًا، إلا أن القصة لم تنتهِ عند هذا الحد.
تبرير غريب بعد فشل النبوءة
قبيل اعتقاله، نشر «إيبوه نوح» مقطع فيديو جديدًا، قال فيه إن عدم وقوع الطوفان لا يعني كذب النبوءة، بل يعني – على حد زعمه – أن الله قد سامح البشر وغفر لهم، معلنًا عزمه تنظيم احتفال كبير بهذه المناسبة.
وهو تبرير نمطي يتكرر كثيرًا لدى مدّعي النبوة، حيث يتم إعادة تفسير الفشل بوصفه “رحمة إلهية” أو “تغييرًا في المشيئة”، للحفاظ على الأتباع ومنع انهيار السردية بالكامل.

نمط متكرر عالميًا
قصة «إيبوه نوح» ليست استثناءً، بل تأتي ضمن سلسلة طويلة من:
-
مدّعي النبوة
-
مدّعي المهدية
-
دعاة نهاية العالم
الذين استغلوا المنصات الرقمية في صناعة الكاريزما، وجمع الأتباع، وتحقيق مكاسب مادية أو نفوذ اجتماعي.
ويحذر مختصون من أن خطورة هذه الظواهر لا تكمن فقط في الكذب الديني، بل في:
-
تدمير الاستقرار النفسي للأفراد
-
استنزاف الموارد المالية للأسر
-
خلق بؤر تطرف أو صدام مع الدولة
فراغ روحي ومعرفي لدى شرائح من المجتمعات
تكشف ظاهرة مدّعي النبوة في السنوات الأخيرة عن فراغ روحي ومعرفي لدى شرائح من المجتمعات، وعن هشاشة الوعي الديني أمام الخطاب العاطفي المؤدلج. ومع غياب الرقابة الصارمة على المحتوى الرقمي، يبقى خطر هذه الظواهر قائمًا، ما لم يُواجَه بالوعي، والتعليم، والتفسير الديني الرشيد، وتطبيق القانون بحزم.

