الصباح اليوم
بوابة الصباح اليوم

أسرار السياسة

نتنياهو يعلن خطة تاريخية بـ350 مليار شيكل لبناء صناعة تسليح إسرائيلية مستقلة وتقليل الاعتماد على واشنطن

النتن ياهو
بوابة الصباح اليوم وكالات الانباء -

مع تصاعد الجدل الدولي حول حجم ونوعية الدعم العسكري الأمريكي لإسرائيل خلال حربها المستمرة على قطاع غزة، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، اليوم الأربعاء، عن تخصيص ميزانية ضخمة غير مسبوقة لتطوير صناعة تسليح إسرائيلية مستقلة، في خطوة وُصفت بأنها تحول استراتيجي عميق في العقيدة الأمنية والعسكرية للدولة العبرية.

جاء الإعلان خلال حفل تخريج دورة جديدة من طياري الجيش الإسرائيلي، حيث كشف نتنياهو عن رصد 350 مليار شيكل، أي ما يعادل نحو 95 مليار دولار، على مدى العقد القادم، بهدف بناء قاعدة تصنيع عسكري محلية تقلل اعتماد إسرائيل على الخارج، حتى على أقرب حلفائها.

Netanyahu vows Israeli air force strong enough to defeat any ...

«حتى الأصدقاء».. رسالة سياسية واضحة

قال نتنياهو في كلمته أمام الخريجين:

«قبل أسابيع قليلة، وافقت أنا ووزير الدفاع ووزير المالية وآخرون، على مبلغ 350 مليار شيكل على مدى العقد القادم لبناء صناعة تسليح مستقلة لدولة إسرائيل. نريد تقليل اعتمادنا على أي عامل، حتى الأصدقاء».

هذه العبارة، التي لم تمر مرور الكرام، اعتُبرت تلميحًا مباشرًا إلى الولايات المتحدة، التي تُعد الداعم العسكري الأكبر لإسرائيل، لا سيما خلال الحرب على غزة، سواء عبر شحنات السلاح أو الغطاء السياسي والدبلوماسي.

من الاستيراد إلى الإنتاج المحلي

Western defence companies scale up production, but Gaza moves ...

أوضح نتنياهو أن إسرائيل لن تتخلى كليًا عن استيراد الأسلحة من الخارج، لكنها تسعى إلى تغيير المعادلة، بحيث يصبح الإنتاج المحلي هو الأساس. وقال:

«سنسعى لأن يُنتج تسليحنا قدر الإمكان في إسرائيل، بما في ذلك جزء من المنصات الجوية».

وأشار إلى أن «أفضل العقول» في الصناعات الجوية الإسرائيلية تعمل بالفعل على تطوير أسلحة وأنظمة قتالية متقدمة، تضمن تفوق إسرائيل في «معارك المستقبل»، لافتًا إلى أن دولًا كبرى مثل ألمانيا ودول أخرى وصفها بالمهمة، بدأت في تقديم طلبات لشراء أنظمة تسليح إسرائيلية، في ما اعتبره «تحولًا تاريخيًا» في مكانة الصناعات العسكرية الإسرائيلية عالميًا.

حرب غزة وتقييد التسليح الأوروبي

The Israeli Air Force will hold its 185th graduation ceremony for ...

يتقاطع هذا الإعلان مع واقع فرضته حرب غزة، حيث واجهت إسرائيل خلال الأشهر الماضية قيودًا أوروبية متزايدة على تصدير الأسلحة إليها، تحت ضغط الرأي العام والمنظمات الحقوقية. وهو ما دفع نتنياهو سابقًا إلى التحذير من مخاطر الاعتماد المفرط على الخارج في ملف يعتبره «وجوديًا».

وفي خطاب سابق ألقاه في سبتمبر الماضي، وصف نتنياهو إسرائيل بأنها تتجه للتحول إلى «سوبر سبارتا»، في إشارة إلى دولة تعتمد على قوتها الذاتية، مدعومة باقتصاد ذي سمات أوتاركية، قادر على إنتاج السلاح محليًا دون الخضوع لشروط أو ضغوط سياسية خارجية.

الاستقلال الأمني.. درس الحرب

أكد نتنياهو في أكثر من مناسبة أن الدرس الأهم المستخلص من الحرب هو ضرورة تحقيق الاستقلال الأمني، موضحًا أن إسرائيل «يجب أن تدافع عن نفسها بقواتها، وبأسلحتها، وبتكنولوجيتها»، حتى لا تُفرض عليها قيود في لحظات الحسم العسكري.

ويرى مراقبون أن هذه الخطة تعكس قناعة متزايدة داخل المؤسسة الإسرائيلية بأن الدعم الخارجي، مهما كان قويًا، يظل خاضعًا لحسابات سياسية داخلية في الدول الداعمة، وهو ما قد يشكل نقطة ضعف استراتيجية في أوقات الأزمات الكبرى.

السلام في الخطاب.. والغموض في التفاصيل

وفيما تطرق نتنياهو إلى توسيع دائرة السلام، مؤكدًا أنها «في مقدمة الأولويات»، فإنه تعمد الإبقاء على التفاصيل طي الكتمان، قائلًا إن «الحديث الأقل يحقق نتائج أكثر»، في إشارة إلى مسارات دبلوماسية يجري العمل عليها بعيدًا عن الإعلام، وسط تصعيد عسكري مستمر في المنطقة.

قراءة في التوقيت والدلالات

Israel's Netanyahu plans to move funds from civilian to ...

يأتي هذا الإعلان في ظل توترات إقليمية متصاعدة، على رأسها المواجهة غير المباشرة مع إيران، واستمرار الحرب على غزة، والضغوط الدولية المتزايدة على إسرائيل. وهو ما يجعل من خطة الـ350 مليار شيكل ليس مجرد مشروع اقتصادي أو صناعي، بل إعادة صياغة شاملة للعقيدة الأمنية الإسرائيلية.

شكر ضمني للدعم، وتحذير صريح من الاعتماد عليه.

بينما تتدفق المساعدات العسكرية الأمريكية إلى إسرائيل، يبعث نتنياهو برسالة مزدوجة: شكر ضمني للدعم، وتحذير صريح من الاعتماد عليه. ومع إطلاق أكبر خطة لتوطين صناعة السلاح في تاريخ إسرائيل، تدخل الدولة العبرية مرحلة جديدة تسعى فيها إلى تحقيق تفوق عسكري مستقل، في منطقة لا تزال على صفيح ساخن، حيث تظل القوة، لا التحالفات وحدها، هي الضامن الأول للأمن.