بدعم ترامب.. نصري عصفورة رئيسًا لهندوراس بعد انتخابات مشتعلة ومرحلة سياسية شديدة الحساسية

بعد أسابيع طويلة من الغموض، والتأجيل، والاتهامات المتبادلة بين أطراف العملية الانتخابية، أسدل الستار أخيرًا على واحدة من أكثر الانتخابات توترًا في تاريخ هندوراس الحديث، بإعلان فوز المرشح اليميني نصري خوان عصفورة زبلح برئاسة البلاد، في سباق انتخابي حاد حظي بمتابعة إقليمية ودولية واسعة، خاصة في ظل الدعم العلني والمباشر الذي تلقاه من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
النتيجة النهائية لم تُنهِ حالة الجدل بقدر ما فتحت الباب أمام مرحلة سياسية معقدة، تتداخل فيها الحسابات الداخلية مع الرهانات الخارجية، وسط انقسام شعبي واضح وتحديات اقتصادية وأمنية ضاغطة.
نتائج متقاربة وفرز معقد
أعلنت اللجنة الوطنية للانتخابات في هندوراس أن نصري عصفورة حصل على 40.3% من الأصوات، متقدمًا بفارق ضئيل للغاية على منافسه سلفادور نصر الله، مرشح التيار الليبرالي الوسطي، الذي نال 39.5% من الأصوات.
وجاء هذا الفارق الهش بعد عملية فرز شاقة، شابتها أعطال تقنية واسعة في أنظمة العد الإلكتروني، ما دفع السلطات إلى اللجوء للفرز اليدوي لنحو 15% من بطاقات الاقتراع. وهو ما فتح الباب أمام اتهامات من المعارضة بوجود تلاعب ومخالفات محتملة.
رئيسة المجلس الوطني للانتخابات، آنا باولا هول، أعلنت رسميًا فوز عصفورة بولاية رئاسية تمتد أربع سنوات، إلا أن منافسه نصر الله رفض الاعتراف بالنتيجة، مطالبًا بإعادة فرز شاملة، ومؤكدًا أن ما جرى لا يعكس الإرادة الحقيقية للناخبين.
ترحيب أمريكي ورسائل سياسية واضحة
لم تتأخر واشنطن في إعلان موقفها، حيث سارع وزير الخارجية الأمريكي إلى الترحيب بفوز عصفورة، مؤكدًا تطلع الولايات المتحدة إلى العمل مع الإدارة الجديدة من أجل تعزيز التعاون الأمني، ومكافحة الهجرة غير النظامية، والتصدي لشبكات الجريمة المنظمة في أمريكا الوسطى.
هذا الترحيب عكس بوضوح الرهان الأمريكي على الرئيس الجديد، باعتباره شريكًا موثوقًا في منطقة تُعد من أكثر مناطق النفوذ حساسية للولايات المتحدة.
وكان دعم دونالد ترامب لعصفورة صريحًا ومباشرًا، إذ دعا الناخبين عبر منصته «تروث سوشيال» إلى التصويت له، واصفًا إياه بـ«الصديق الحقيقي الوحيد للحرية في هندوراس»، ومعتبرًا فوزه ضرورة لمواجهة ما وصفه بـ«المد الشيوعي» في المنطقة.

من هو نصري عصفورة؟
نصري خوان عصفورة، المعروف بلقب «تيتو عصفورة»، سياسي ورجل أعمال يبلغ من العمر 67 عامًا، وُلد في العاصمة تيغوسيغالبا في 8 يونيو/حزيران 1958، لعائلة من أصول فلسطينية.
يمثل عصفورة نموذجًا للسياسي الذي صعد من الإدارة المحلية إلى قمة السلطة، مستندًا إلى صورة رجل عملي قريب من الشارع. درس الهندسة المدنية، لكنه لم يُكمل دراسته الجامعية، قبل أن يدخل الحياة العامة خلال تسعينيات القرن الماضي، في فترة شهدت تحولات إدارية وسياسية كبيرة.
تنقّل بين مناصب متعددة، شملت عضوية الكونغرس وتولي وزارة الاستثمار الاجتماعي، قبل أن يبرز اسمه بقوة على الساحة البلدية. وفي عام 2013، انتُخب عمدة للمنطقة المركزية التي تضم تيغوسيغالبا وكوماياغويلا، وأُعيد انتخابه في 2017.
وخلال فترتيه، ركّز على مشروعات البنية التحتية والطرق والخدمات، ما أكسبه شعبية واسعة ولقب «بابي، في خدمتك»، في إشارة إلى حضوره الميداني وأسلوبه العملي المباشر.
جدل قانوني وشبهات فساد
رغم صورته العامة كرجل خدمات، لم تخلُ مسيرة عصفورة من الجدل، إذ يخضع إلى جانب مسؤولين سابقين في بلدية العاصمة لتحقيقات تتعلق بشبهات اختلاس أموال عامة وغسل أموال.
وينفي عصفورة هذه الاتهامات بشكل قاطع، معتبرًا أنها مفبركة وذات دوافع سياسية، جرى توظيفها لإضعاف حظوظه الانتخابية، وهو ما ظل محور نقاش واسع خلال الحملة الانتخابية.

ترامب والرهان الإقليمي
لا يمكن فصل دعم ترامب لعصفورة عن السياق الإقليمي الأوسع. إذ تنظر إدارة ترامب بقلق إلى علاقات الحكومة الحالية في هندوراس مع كوبا وفنزويلا، وترى أن فوز مرشح يميني محافظ يمثل فرصة لإعادة البلاد إلى الفلك الأمريكي، في مواجهة حكومات يسارية تتهمها واشنطن بزعزعة الاستقرار.
ولم يُخفِ ترامب هذا البعد، حيث هاجم منافسي عصفورة، واصفًا مرشح الحزب الحاكم بـ«الشيوعي»، ومعتبرًا أن سلفادور نصر الله «على حافة الشيوعية»، في خطاب انتخابي عكس حجم التدخل السياسي الأمريكي في السباق.
تحديات الداخل وضغوط الخارج
يتسلم نصري عصفورة الرئاسة في ظرف داخلي بالغ التعقيد، يتمثل في اقتصاد هش، ومعدلات فقر مرتفعة، وتفشي الجريمة المنظمة، وتنامي نفوذ عصابات المخدرات.
إلى جانب ذلك، يواجه الرئيس الجديد معارضة سياسية مشككة في شرعية فوزه، وشارعًا منقسمًا بفعل نتائج متقاربة لم تحسم الاستقطاب المجتمعي.

خارجيًا، تبدو التوقعات الأمريكية مرتفعة، خاصة في ملفات الهجرة غير النظامية، ومكافحة الاتجار بالمخدرات، والتنسيق الأمني في أمريكا الوسطى، ما يضع عصفورة أمام معادلة صعبة: تحقيق وعوده الانتخابية الداخلية، دون أن يظهر كمنفذ مباشر لأجندة خارجية.
بداية اختبار صعب
وبين رهان واشنطن، وشكوك المعارضة، وتطلعات الشارع، يبدأ نصري عصفورة ولايته الرئاسية وسط اختبار مبكر لقدرة رجل البلدية السابق على إدارة دولة مأزومة، في واحدة من أكثر المراحل حساسية في تاريخ هندوراس السياسي الحديث.

