نرمين نبيل تكتب : لابد من احترام هيبة الموت… العزاء له قدسية لا يجب ان تنتهك

في زمن تتسابق فيه الكاميرات والهواتف المحمولة على كل لحظة من حياتنا، أصبح من السهل أن تتحول أبسط اللحظات الإنسانية إلى مادة للعرض والمشاهدة، سواء على الشاشات أو في مواقع التواصل الاجتماعي. كل ابتسامة، كل دمعة، كل موقف عاطفي صار عرضة للعدسات والضغط النفسي، وأصبح من الصعب التمييز بين ما يجب توثيقه وبين ما يستحق الاحترام والحماية. هذه الثقافة الإعلامية الحديثة تجعلنا نتساءل: هل أصبح الفضول والتغطية الفورية أهم من الإنسانية والكرامة؟ وهل أصبح كل ألم أو فقدان مجرد مشهد يُعرض للجمهور؟
حماية لحظات الحزن الخاصة، بعيدًا عن أي استعراض إعلامي
هذا التساؤل أصبح واضحًا في جنازة الفنانة سمية الألفي، حيث حضر أفراد عائلتها، ومن بينهم الفنان أحمد الفيشاوي. في بداية العزاء، أظهر الفيشاوي وعيًا واحترامًا شديدين، حين طلب من المصورين التعامل مع العزاء كما لو كان “ريد كاربت”، بهدف تنظيم مرور المعزين ومنحهم فرصة للمرور بهدوء دون زحام أو تدخل في خصوصياتهم. كانت هذه البادرة تعكس حسه الإنساني، ورغبته فيحماية لحظات الحزن الخاصة، بعيدًا عن أي استعراض إعلامي أو ضغط على المشاعر.
لكن مع مرور الوقت، ومع اقتراب الكاميرات منه في لحظات شديدة الخصوصية، بدا الغضب طبيعيًا ومفهومًا. فالعدسات لا تعرف حدودًا، والعين البشرية لا تتحمل التدخل المستمر في اللحظات الإنسانية الأشد حساسية. إن العزاء ليس مناسبة عادية يمكن تصويرها أو استغلالها للترند، بل هو مساحة للحداد، يتجمع فيها الحزن والذكريات، ويجب أن يحظى المعزون فيها بالصمت والاحترام قبل أي شيء آخر.

لحظات الحزن لايجب ان تكون مادة استهلاكية للتغطية الإعلامية
وفي هذا السياق، أصدر نقيب الصحفيين بيانًا يؤكد فيه أن التغطية الإعلامية يجب أن تكون مهنية وتحترم حدود الخصوصية، وأنه من الضروري أن يتمتع كل صحفي بالوعي الأخلاقي الذي يحمي قدسية الموت والعزاء. فالموت له هيبة، والعزاء له قدسية، ولا ينبغي أن تتحول لحظة الحزن إلى مادة استهلاكية للتغطية الإعلامية أو منصات التواصل الاجتماعي.
إن الجنازات ليست مجرد أخبار تُنشر، بل هي مساحة للألم الصامت والحزن الحقيقي. التصوير العشوائي للمعزين أو الأقارب يُفقد اللحظة إنسانيتها ويحوّلها إلى مشهد استعراضي يفتقد للكرامة والاحترام. الصحافة المهنية الحقيقية توازن بين نقل الخبر واحترام القيم الإنسانية، فلا يجوز أبداً أن تكون العدسة وسيلة لانتهاك خصوصية الآخرين أو الضغط عليهم في لحظاتهم الأشد وجعًا.

مسئولية الإعلام حماية القيم الأساسية للمجتمع
أكثر من ذلك، يجب أن نتذكر أن الإعلام جزء من المجتمع، ومسؤوليته لا تتوقف عند نقل الأخبار فقط، بل تمتد إلى حماية قيمه الأساسية: الإنسانية، الاحترام، والكرامة. كل صورة أو فيديو يُنشر دون مراعاة هذه القيم يتحول إلى أداة ضرر نفسي، قد تؤثر على العائلة والمعزين بشكل مباشر.
الصمت أحيانًا أبلغ من الصورة، والاحترام أهم من أي سبق صحفي، والإنسانية يجب أن تكون دائمًا الأولوية قبل أي خبر. لحظة العزاء ليست منصة للترند أو التفاعل على السوشيال ميديا، بل مساحة مقدسة يستحق فيها كل فرد أن يعيش حزنه بهدوء وكرامة. إن احترام هذه اللحظات ليس مجرد خيار مهني، بل هو واجب إنساني وأخلاقي، وضرورة للحفاظ على العلاقة بين الإعلام والمجتمع.
لابد من احترام هيبة الموت… فالعزاء له قدسية لا يجب أن تُنتهك.

