عام 2025 الاستثنائي للريال اليمني.. من أسوأ انهيار تاريخي إلى تعافٍ مفاجئ واستقرار غير مسبوق

شكّل عام 2025 نقطة تحول فارقة في تاريخ الريال اليمني، بعدما مرّت العملة المحلية بأقسى وأعنف موجات الانهيار منذ اندلاع الحرب، قبل أن تشهد تعافيًا مفاجئًا واستقرارًا إيجابيًا هو الأول من نوعه منذ سنوات طويلة. عامٌ اتسم بالتقلبات الحادة، والانفراجات غير المتوقعة، وقرارات اقتصادية حاسمة أعادت رسم ملامح المشهد النقدي في اليمن.
انهيار غير مسبوق في النصف الأول من 2025
الريال اليمني يسجل أدنى مستوى في تاريخه
قبل بوادر التحسن، عاش الريال اليمني أصعب فتراته على الإطلاق خلال النصف الأول من عام 2025، حيث تعرض لسلسلة من الصدمات المتلاحقة التي قادته إلى أسوأ انهيار نقدي في تاريخ البلاد.
وبحلول منتصف يوليو/تموز 2025، سجل سعر صرف الريال اليمني في مناطق سيطرة الحكومة الشرعية نحو 2900 ريال مقابل الدولار الأمريكي الواحد، وهو أدنى مستوى تاريخي للعملة منذ اعتمادها.
انعكاسات كارثية على معيشة المواطنين
هذا التدهور الحاد انعكس مباشرة على الواقع المعيشي، حيث:
-
قفزت معدلات التضخم بصورة غير مسبوقة
-
تآكلت القوة الشرائية للمواطنين
-
ارتفعت أسعار السلع الأساسية والخدمات
-
تفاقمت الأزمات الإنسانية والمعيشية
أسباب الانهيار: مضاربات منظمة ودعم حوثي
شبكات صرافة خارج السيطرة

أرجع خبراء اقتصاديون الانهيار الحاد للريال اليمني إلى سلوكيات ممنهجة لشبكات الصرافة، التي استغلت حالة الانقسام وغياب الرقابة لتحقيق أرباح طائلة من فروقات أسعار الصرف.
وتزامن ذلك مع:
-
ازدياد غير منضبط في عدد محال الصرافة
-
تراجع دور البنوك التقليدية بفعل الحرب
-
استغلال الثغرات الرقابية لمضاربات غير مشروعة
اتهامات مباشرة لمليشيات الحوثي
أكد محافظ البنك المركزي اليمني بعدن، أحمد غالب المعبقي، ضلوع مليشيات الحوثي في عمليات المضاربة بالعملة داخل عدن والمناطق المحررة، بهدف:
-
تخريب السوق النقدية
-
زعزعة استقرار الريال
-
ضرب الاقتصاد في مناطق الحكومة الشرعية
نقطة التحول: تعافٍ مفاجئ منذ أواخر يوليو
ارتفاع قيمة الريال بأكثر من 44%
ابتداءً من أواخر يوليو 2025، شهد الريال اليمني تعافيًا لافتًا ومفاجئًا، حيث:
-
ارتفعت قيمته بأكثر من 44% خلال فترة قصيرة
-
انتقل من حالة الانهيار الحر إلى الاستقرار النسبي
-
استعاد جزءًا كبيرًا من قيمته المفقودة
ووصف خبراء اقتصاديون هذا التحسن بأنه غير متوقع قياسًا بحدة التدهور السابقة.
تحركات البنك المركزي.. معركة متعددة المحاور
كبح المضاربة والتلاعب بالعملة
أرجع المختصون هذا التحسن إلى تحرك حاسم للبنك المركزي اليمني بعدن، الذي نفذ سلسلة إجراءات غير مسبوقة، أبرزها:
-
كبح المضاربات المدعومة من الحوثيين
-
تشديد الرقابة على سوق الصرافة
-
فرض الانضباط النقدي
وفي 24 يوليو/تموز 2025، أطلق البنك المركزي حملة تفتيش ميدانية واسعة، أسفرت عن:
-
تعليق وسحب تراخيص أكثر من 50 شركة صرافة
-
إغلاق منشآت متورطة في التلاعب
-
توجيه رسائل ردع قوية للسوق
إلزام التعامل بالريال اليمني فقط
ضمن الإصلاحات الجوهرية، ألزم البنك المركزي:
-
جميع مرافق الدولة والمؤسسات الحكومية
-
الشركات والتجار
-
المواطنين
بالتعامل بالريال اليمني حصريًا، مع وقف استخدام العملات الأجنبية الصعبة في المعاملات الداخلية، وهو ما عزز الطلب على العملة المحلية.
إطار مؤسسي جديد لتمويل الاستيراد
تنظيم الواردات ومنع التمويل غير المنضبط

في أغسطس 2025، أنشأ البنك المركزي اللجنة الوطنية لتنظيم وتمويل الواردات، وجرى اعتماد آلية تجارية جديدة تقضي بـ:
-
تقديم طلبات استيراد السلع الأساسية عبر البنوك وشركات الصرافة
-
مراجعة الطلبات من قبل اللجنة المختصة
-
منع دخول أي شحنات غير معتمدة عبر المنافذ الجمركية
ويرى مختصون أن هذه الآلية شكّلت رادعًا قويًا أمام التمويل غير المنظم، وساهمت في ضبط الطلب على النقد الأجنبي.
دعم سياسي غير مسبوق
المجلس الرئاسي والحكومة في صف البنك المركزي
للمرة الأولى، حظيت إجراءات البنك المركزي:
-
بدعم كامل من مجلس القيادة الرئاسي
-
مساندة واضحة من الحكومة
-
تعاون فعّال من السلطات المحلية
وهو ما اعتُبر عاملًا حاسمًا، بعدما فشلت محاولات سابقة بسبب ضعف الغطاء السياسي.
كما لاقت هذه الإصلاحات إشادة من المؤسسات النقدية الدولية، التي اعتبرتها خطوة جادة لمعالجة مكامن الضعف الهيكلية في الاقتصاد اليمني.
عوامل خارجية ساهمت في التحسن
تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية
مع بداية عام 2025، ظهرت مؤشرات خارجية ساعدت على التغيير، أبرزها:
-
إعادة تصنيف مليشيات الحوثي كمنظمة إرهابية أجنبية من قبل وزارة الخزانة الأمريكية في يناير/كانون الثاني 2025
هذا القرار دفع:
-
المؤسسات المالية اليمنية إلى الانضواء تحت سلطة الحكومة الشرعية
-
البنوك التجارية في صنعاء إلى نقل عملياتها الرئيسية إلى عدن
-
تعزيز قدرة البنك المركزي على مراقبة التحويلات والتدفقات المالية
وأسهم ذلك في دعم استقرار الريال وتقليص مصادر العبث بالسوق النقدية.
خلاصة المشهد: 2025 عام التحول النقدي في اليمن
يمكن القول إن عام 2025 سيُسجل في تاريخ اليمن الاقتصادي كعام:
-
أسوأ انهيار للريال اليمني
-
وأقوى محاولة إنقاذ ناجحة نسبيًا
-
وبداية مسار إصلاحي جاد لاستعادة الثقة بالعملة
ورغم هشاشة الاستقرار الحالي، يرى خبراء أن استمرار:
-
الانضباط النقدي
-
الدعم السياسي
-
الرقابة الصارمة
-
والتنظيم المؤسسي
قد يفتح الباب أمام مرحلة أكثر استقرارًا للاقتصاد اليمني بعد سنوات من الفوضى والانهيار.

