الصباح اليوم
بوابة الصباح اليوم

أسرار السياسة

صلاح توفيق يكتب : من يزرع الشوك لا يجني زهورًا… قراءة في منطق التطرف وثقافة الدم وغياب أفق السلام

صلاح تةفيق
بقلم - صلاح توفيق -

عنوان هذا المقال ليس حكمة او بيت شعري بل هو حقيقة يمكنك تطبيقها علي كل شيء حولك من العلاقات الانسانية الي حني العلاقات الدولية ...ففي تاريخ الشعوب قاعدة أخلاقية وإنسانية لا تخطئها البصيرة: من يزرع الشوك لا يمكن أن يحصد زهورًا. تلك ليست حكمة او كلامات شعرية ، بل قانونًا اجتماعيًا وسياسيًا يتكرر عبر العصور. وعندما تتبنى الحكومات المتطرفة منطق العنف والدم، فإن الثمار لا تكون إلا مزيدًا من الألم، وغالبًا ما يدفع ثمنها أبرياء لا ذنب لهم، كما شهد العالم مؤخرًا في حادث سيدني بأستراليا، الذي أعاد فتح الأسئلة الكبرى حول جذور التطرف، ومسؤولية السياسات القائمة على القمع والعدوان في تصدير العنف إلى ما وراء الحدود.

إن المتطرفين داخل الحكومة اليمينية المتشددة في دولة الاحتلال الإسرائيلي يزرعون الشوك والدم منذ عقود، وهم يعتقدون – أو يوهمون أنفسهم – أن هذا النهج قد يجلب لهم الأمن والأمان. غير أن التجربة التاريخية، والواقع اليومي، يثبتان عكس ذلك تمامًا: العنف لا يولّد إلا عنفًا، والقتل لا يفضي إلا إلى دوائر أوسع من الكراهية، تتجاوز الجغرافيا لتصيب العالم بأسره.

مركز حقوقي: إسرائيل ارتكبت إبادة جماعية في غزة

مجازر اليمن المتطرف في غزة

التطرف وهمُ الأمن الدائم

يصر المتطرفون داخل الحكومة اليمنية في إسرائيل على تقديم القتل بوصفه «حلًا أمنيًا»، ويُلبسونه أثواب الردع والحماية بينما هو في حقيقته غياب كامل للرؤية الإنسانية للحياة المشتركة. فالأمن الحقيقي لا يُبنى على المقابر، ولا يُصان بالدبابات، ولا يستقر فوق أنقاض البيوت المهدمة. الأمن يُصنع بالعدالة، ويترسخ بالاعتراف بالآخر، ويستمر بالسلام العادل.

غير أن هذا المنطق غائب عن عقلية التطرف، التي لا ترى في العالم إلا ساحة صراع دائم، ولا تعرف من السياسة سوى لغة القوة. وهكذا، يصبح الدم وسيلة، والقتل هدفًا، وتتحول المجتمعات إلى رهائن لخطاب كراهية لا ينتهي ويتجاوز حدود الجغرافيا.

رسالة السادات التي لم تُفهم

منذ عقود، وقف الرئيس المصري الراحل أنور السادات – رحمه الله – داخل الكنيست الإسرائيلي مخاطبًا قادة الاحتلال والعالم برسالة واضحة لا لبس فيها: السلام هو الطريق الوحيد للبقاء. لم تكن كلماته آنذاك مناورة سياسية، بل رؤية استراتيجية وإنسانية، تؤمن بأن الشعوب لا يمكن أن تعيش إلى الأبد تحت سطوة السلاح.

لكن قادة الاحتلال، جيلاً بعد جيل، اختاروا تجاهل هذه الرسالة. لم يروا في السلام فرصة للحياة، بل تهديدًا لنهجهم القائم على القوة. فواصلوا زراعة الشوك، معتقدين – في مفارقة عبثية – أن هذه الأرض المغموسة بالدم قد تُنبت يومًا زهورًا زاهية.

غزة… الشوك الذي لا ينتهي

على مدى عقود، زرعت إسرائيل الشوك في غزة والأراضي العربية: حصار، عدوان، تهجير، قتل جماعي، وتدمير ممنهج لكل مقومات الحياة. ثم تقف اليوم متسائلة – بقدر من الدهشة المصطنعة – لماذا لا تحصد أمنًا؟ لماذا يتجدد الغضب؟ ولماذا يمتد أثر الصراع إلى خارج المنطقة؟

الجواب بسيط بقدر ما هو قاسٍ:
من يزرع الشوك لا يجني إلا الشوك.

لا يمكن لسياسات تقوم على نفي الآخر وإنكار حقوقه أن تنتج سلامًا. ولا يمكن لمجتمع يصر على العيش بمنهج الدم والقتل أن يكون قابلًا للاستقرار أو التعايش على المدى الطويل.

حين يدفع الأبرياء الثمن

الأخطر في ثقافة التطرف أن ضحاياها غالبًا ليسوا من صناع القرار، بل أبرياء لا علاقة لهم بالصراع من قريب أو بعيد. حوادث العنف التي تضرب مدنًا بعيدة، مثل سيدني، تذكّرنا بأن التطرف حين يُغذّى سياسيًا، لا يعترف بالحدود، ولا يقف عند جغرافيا بعينها.

إنها سلسلة واحدة:
قمع يولّد غضبًا،
غضب يتحول إلى تطرف،
وتطرف ينفجر في وجوه الأبرياء.

حقيقة لا يمكن الهروب منها

تؤكد التجربة التي عاشها بني البشر منذ الالف من السنين مرة بعد مرة، أن المجتمع الذي يرفض السلام ويصر على منطق القوة وحده، هو مجتمع مأزوم من الداخل، غير قادر على بناء مستقبل آمن لأجياله. قد يفرض سيطرته مؤقتًا، وقد يربح جولة هنا أو هناك، لكنه في النهاية يخسر المعركة الأهم: معركة الحياة المشتركة.

فالسلام ليس ضعفًا، بل شجاعة وحياة وأمان . والاعتراف بحق الآخر ليس هزيمة، بل شرط للبقاء. أما الإصرار على زراعة الشوك، فلن يحصد إلا الحزن والدمار، مهما طال الزمن.