الصباح اليوم
بوابة الصباح اليوم

أسرار السياسة

رفض شعبي مصري لزيارة نتنياهو رغم الوساطة الأمريكية… القاهرة تضع شروطًا سياسية صارمة بسبب حرب غزة

نتنياهو
-

كشفت صحيفة “تايمز أوف إسرائيل” عن تحركات يقودها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لترتيب زيارة إلى القاهرة، في خطوة تُعد الأولى من نوعها منذ نحو 15 عامًا، بزعم توقيع اتفاقية جديدة لتزويد مصر بالغاز الطبيعي.

غير أن هذه التحركات تصطدم بواقع سياسي وشعبي شديد التعقيد، حيث لا يوجد ترحيب رسمي مصري بالزيارة، في ظل توتر غير مسبوق في العلاقات منذ اندلاع الحرب على غزة، ورفض قاطع لأي محاولات لتجاوز الموقف المصري الثابت تجاه القضية الفلسطينية.

تحركات إسرائيلية بدعم أمريكي… ومساعٍ لتسويق إنجاز سياسي

تعاون دبلوماسي أمريكي–إسرائيلي للتحضير للزيارة

نقلت الصحيفة عن مصدر دبلوماسي أمريكي رفيع أن مسؤولين إسرائيليين عملوا خلال الأيام الماضية بالتنسيق مع دبلوماسيين أمريكيين كبار للتحضير لزيارة محتملة لنتنياهو إلى القاهرة، على أن تتضمن لقاءً مع الرئيس عبد الفتاح السيسي، في محاولة لإضفاء طابع “تاريخي” على الزيارة.

وبحسب المصدر، فإن نتنياهو يسعى إلى استغلال أي اختراق دبلوماسي محتمل لتحقيق مكاسب إعلامية وسياسية قبل الانتخابات الإسرائيلية المقبلة، وصرف الأنظار عن أزماته الداخلية المتفاقمة.

غزة بعد عام من الحرب... إعادة الإعمار قد تستغرق عقوداً من الزمن

نفي رسمي إسرائيلي

في المقابل، سارع مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى نفي علمه بهذه الترتيبات، مؤكدًا لصحيفة “تايمز أوف إسرائيل”:

“ليس لدينا علم بهذه المسألة”.

صفقة الغاز في قلب التحركات… ومصالح اقتصادية ضخمة

تعديل اتفاق تصدير الغاز إلى مصر

تأتي هذه التحركات عقب إعلان شركة NewMed Energy، الشريك في حقل ليفياثان الإسرائيلي، عن تعديل جوهري في اتفاق تصدير الغاز إلى مصر، بزيادة الكميات بنحو 130 مليار متر مكعب، لترتفع العائدات المتوقعة إلى نحو 35 مليار دولار حتى عام 2040.

ويُعد حقل ليفياثان — الذي تمتلك شركة شيفرون الأمريكية حصة تشغيلية تقارب 40% — المصدر الرئيسي للغاز الإسرائيلي المصدَّر إلى مصر، حيث وُقّعت أول اتفاقية بين البلدين عام 2020، قبل أن يجري توسيعها بشكل كبير في أغسطس الماضي.

القاهرة تضع خطوطًا حمراء… شروط سياسية غير قابلة للتفاوض

رفض قاطع لتهجير الفلسطينيين

أكدت مصادر دبلوماسية وخبراء تحدثوا لصحيفة “الشرق” أن القاهرة وضعت شروطًا سياسية واضحة قبل الموافقة على أي لقاء مع نتنياهو، في مقدمتها:

  • إسقاط أي طرح يتعلق بتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة أو الضفة الغربية

  • الانسحاب الإسرائيلي الكامل من غزة، لا سيما من محور فيلادلفيا

  • إعادة إحياء المسار السياسي القائم على حل الدولتين

  • تقديم ضمانات أمنية واقتصادية واضحة مرتبطة بصفقة الغاز

محور فيلادلفيا نقطة اشتعال

ومنذ اجتياح الجيش الإسرائيلي لمدينة رفح واحتلال الشريط الحدودي المعروف بمحور فيلادلفيا، تصاعد التوتر بشكل حاد بين القاهرة وتل أبيب، حيث اعتبرت مصر هذا التحرك خرقًا صريحًا لمعاهدة السلام الموقعة عام 1979.

خريطة توضح مناطق الدمار في جميع أنحاء غزة.. وتعرض مقبرة للتجريف - CNN Arabic

الرفض الشعبي المصري… غضب بسبب مذابح غزة

على المستوى الشعبي، يواجه نتنياهو رفضًا واسعًا داخل الشارع المصري، في ظل صور الدمار والقتل اليومي في قطاع غزة، وسقوط آلاف الضحايا من المدنيين، ما يجعل أي زيارة محتملة بمثابة استفزاز لمشاعر المصريين.

ويرى مراقبون أن أي محاولة لتطبيع سياسي أو إظهار نتنياهو كشريك دبلوماسي طبيعي، في هذا التوقيت تحديدًا، تصطدم برفض أخلاقي وإنساني قبل أن تكون رفضًا سياسيًا.

بدائل أمريكية… قمة ثلاثية أو لقاء هامشي

مقترح قمة بديلة في واشنطن

في حال تعذّر عقد اللقاء في القاهرة، كشفت مصادر مطلعة عن مقترح أمريكي بديل يتمثل في عقد قمة أميركية–عربية–إسلامية في واشنطن، يُلتقى خلالها السيسي ونتنياهو على الهامش، بحضور الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وأمير قطر تميم بن حمد آل ثاني.

وأشار موقع “أكسيوس” الأمريكي إلى أن البيت الأبيض يضغط على نتنياهو للموافقة أولًا على صفقة الغاز، واتخاذ خطوات “بناءة” قد تُقنع القاهرة بجدوى أي لقاء محتمل.

علاقة سلام هشة… وتوتر بلغ ذروته

ترتبط مصر وإسرائيل بمعاهدة سلام منذ عام 1979، وهي الأولى من نوعها بين إسرائيل ودولة عربية بعد أربع حروب كبرى.
إلا أن العلاقة ظلت دائمًا هشة ومتأرجحة بين التعاون الأمني والاقتصادي من جهة، والتوتر السياسي الحاد من جهة أخرى، خاصة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية.

ومع عودة نتنياهو إلى السلطة نهاية 2022، بلغ التوتر ذروته، خصوصًا بعد تصريحات متكررة من وزراء في حكومته عن “تهجير الفلسطينيين إلى سيناء”، وهو ما قوبل برفض مصري قاطع وحاسم.

القاهرة متمسكة بثوابتها التاريخية تجاه القضية الفلسطينية

رغم الوساطة الأمريكية ومحاولات تسويق صفقة الغاز كمدخل دبلوماسي، فإن الرفض الشعبي المصري لنتنياهو بسبب مذابح غزة، إلى جانب الشروط السياسية الصارمة للقاهرة، يجعلان أي زيارة محتملة محفوفة بالعقبات.
وتبقى القاهرة متمسكة بثوابتها التاريخية تجاه القضية الفلسطينية، رافضة تحويل المصالح الاقتصادية إلى غطاء لتجاوز الخطوط الحمراء السياسية والإنسانية.