الصباح اليوم
بوابة الصباح اليوم

المنوعات

هل يصبح اسم الكشري «العالمي»؟.. من «هاتلي واحد شطة زيادة» إلى قائمة تراث اليونسكو 2025

العالمي
-

في مشهد يمكن وصفه بأنه انتصار لـ«أكلة الغلابة» و«معشوقة الطبقات كلها»، دخل الكشري المصري رسميًا إلى القاموس العالمي للتراث، بعد إعلان منظمة اليونسكو إدراجه على القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي للإنسانية لعام 2025.
الطبق الذي يبدأ طلبه في أغلب المطاعم بجملة: «هاتلي واحد كشري، شطة زيادة»، أصبح اليوم «طبقًا عالميًا» موثقًا ومحميًا باعتباره جزءًا من الهوية المصرية، وليس مجرد وجبة شعبية تشبع البطون.

هذا التطور يفتح الباب لسؤال طريف وجاد في الوقت نفسه: هل يصبح اسمه قريبًا «الكشري العالمي» بدلًا من «الكشري المصري»؟ وكيف نجحت هذه الوجبة البسيطة، التي تتكون من عدس وأرز ومكرونة وبصل محمر، في أن تقف جنبًا إلى جنب مع أعراق ثقافية وممارسات تراثية كبرى على منصة واحدة؟

في السطور التالية، نستعرض تفاصيل إدراج الكشري في قائمة التراث غير المادي لليونسكو، وأبعاد هذا الاعتراف الدولي، ورسائل الدولة المصرية، وردود فعل الشارع، وما يعنيه ذلك لمستقبل المطبخ المصري والهوية الثقافية.

الكشري المصري في قوائم اليونسكو.. من طبق يومي إلى تراث إنساني

اليونسكو تعترف بالكشري المصري

أعلنت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة «اليونسكو» إدراج الكشري المصري على القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي للإنسانية لعام 2025، خلال اجتماعات اللجنة الحكومية للتراث غير المادي المنعقدة في العاصمة الهندية نيودلهي.

هذا الإدراج لا يعني فقط الاعتراف بالكشري كوجبة تقليدية، بل بوصفه «ممارسة اجتماعية» و«طقسًا يوميًا» يرتبط بطريقة تحضيره، وأساليب تقديمه، وحالة المشاركة التي يخلقها بين العائلة والأصدقاء، سواء في البيت أو في محلات الكشري المنتشرة في شوارع القاهرة والمدن المصرية.

الكشري.. العنصر الحادي عشر لمصر في قوائم التراث غير المادي

الدكتور أحمد فؤاد هنو، وزير الثقافة، أعرب عن سعادته بهذا الإنجاز، مؤكدًا أن الكشري أصبح العنصر الحادي عشر المسجَّل باسم مصر في قوائم التراث غير المادي.
وأوضح أن تسجيل الكشري يبرز قدرة التراث المصري على الاستمرار والتجدد، ويعكس تقدير المجتمع الدولي لحرص المصريين على الحفاظ على ممارساتهم اليومية البسيطة التي تشكل جزءًا من هويتهم الجماعية.

«أول أكلة مصرية على قوائم التراث».. ماذا يعني ذلك للمطبخ المصري؟

اعتراف عالمي بالمطبخ الشعبي

تسجيل الكشري هو أول تسجيل رسمي لأكلة مصرية في قوائم التراث الإنساني، ما يمهّد الطريق أمام عناصر أخرى من المطبخ المصري، مثل الفول والطعمية والملوخية، للدخول إلى مسار مشابه في السنوات المقبلة.

هذا الاعتراف يمنح المطبخ المصري فرصة أكبر للحضور على خريطة السياحة العالمية، فلم يعد السائح يأتي فقط لرؤية الأهرامات والنيل، بل أصبح مدعوًّا لتجربة «الكشري المصري المسجَّل في اليونسكو»، وهي عبارة ستتحول بلا شك إلى أداة تسويقية قوية في الحملات السياحية.

ثقافة الحياة اليومية.. من «الحلة الكبيرة» إلى «طبق التراث»

الكشري ليس مجرد مكونات تُخلط في طبق واحد، بل هو مشهد كامل:

  • حلة كبيرة على النار في البيت أو المحل.

  • أم أو جدة تحفظ المقادير «بالعين» لا بالميزان.

  • بائع ينادي بصوت عالٍ في محل مزدحم: «هاتلي واحد كامل، رز قليل، شطة زيادة، دقة خفيفة».

كل هذه التفاصيل رصدها ملف الترشيح الذي قدمته مصر لليونسكو، بوصفها ممارسات حية متوارثة بين الأجيال، وليست مجرد وصفة طعام جامدة.

اوردر كشري اونلاين من المنيوز في مدينة الرحاب, القاهرة

من المطاعم الشعبية إلى منصة اليونسكو.. قصة ملف الكشري

دور الممارسين والمجتمعات المحلية

في كلمة الوفد المصري أمام اللجنة الحكومية للتراث غير المادي، أوضحت الدكتورة نهلة إمام، مستشار وزير الثقافة للتراث غير المادي وممثلة مصر باتفاقية التراث غير المادي، أن إدراج الكشري جاء نتيجة عمل ميداني طويل مع أصحاب المطاعم، والطهاة، والأسر التي ما زالت تحرص على إعداد الكشري في البيت، باعتبارهم «الملاك الحقيقيين» لهذا التراث.

وأكدت أن ملف الترشيح لم يُكتب من مكاتب مغلقة، بل بُني على شهادات وتجارب من الواقع، وعلى مبادرة انطلقت من الممارسين أنفسهم الذين طالبوا بتسجيل الكشري، معتبرين أنه «أكثر من مجرد أكلة، بل نمط حياة».

شكر خاص لـ«كل ست مصرية»

خلال كلمتها، وجّهت الدكتورة نهلة إمام الشكر لمطاعم الكشري الشعبية والعائلية، ولكل سيدة مصرية تحافظ على طريقة إعداد الكشري وتنقلها لأبنائها، معتبرة أنهن «شريكات أساسيات» في هذا الاعتراف العالمي.
فالكشري الذي يُطهى في البيوت بالحب والصبر، هو نفسه الذي يقدَّم في المطاعم الكبرى، وكلاهما أصبح اليوم جزءًا من تراث إنساني مشترك.

هل يصبح وصف الطلب: «هاتلي واحد عالمي شطة زيادة»؟

الكشري بين الهوية المحلية والعلامة العالمية

بعد إدراج الكشري في قوائم اليونسكو، بدأ المصريون يتداولون على مواقع التواصل عبارات ساخرة تحمل الكثير من الفخر، من بينها:

«خلي بالك.. مش أي كشري، ده كشري مسجل في اليونسكو!»
«هاتلي واحد عالمي شطة زيادة»

ورغم الطابع الكوميدي لهذه التعليقات، فإنها تعكس حقيقة مهمة: الكشري بات يحمل اليوم هوية مزدوجة؛ فهو مصري حتى النخاع، وعالمي بالاعتراف الرسمي.

بين العالمية والتمسك بالأصل المصري

هذا الاعتراف لا يعني تغيير هوية الطبق أو اسمه، بل على العكس، يشدد على كلمة «الكشري المصري».
فالعالمية هنا لا تلغي المحلية، بل تمنحها مساحة أوسع للحضور والتأثير، وتفتح الباب أمام ما يمكن تسميته بـ«دبلوماسية الكشري» في الترويج لمصر وثقافتها.

الكشري كجسر اجتماعي.. كيف يوحّد المصريين حول مائدة واحدة؟

كشري العربيات».. حيلة ذكية لتسوية العدس والمكرونة في وقت واحد دون مجهود |  المصري اليوم

طبق الفقراء والأغنياء معًا

من أبرز أسباب اختيار الكشري كعنصر تراثي أنه طبق ديمقراطي بامتياز؛

  • تأكله الأسرة البسيطة في حارة شعبية.

  • وتتناوله عائلة ميسورة في مطعم شهير.

  • ويقف الجميع في طابور واحد أمام عربة كشري في وسط البلد.

لا يفرِّق الكشري بين طبقة اجتماعية وأخرى، ولا بين حي راقٍ ومنطقة شعبية؛ هو «أكلة مساواة» تخلق حالة من الانسجام بين فئات المجتمع المختلفة.

طقس اجتماعي يومي

الكشري يرتبط أيضًا بعادات اجتماعية؛

  • غداء سريع في وسط يوم عمل مزدحم.

  • عزومة أصدقاء في آخر الأسبوع.

  • وجبة بعد الخروج من السينما أو الجامعة.

كل هذه الاستخدامات اليومية تجعل من الكشري عنصرًا متحركًا في حياة المصريين، وليس مجرد طبق تاريخي محفوظ في المتاحف أو كتب التراث.

البعد الاقتصادي والسياحي.. الكشري كرأس مال ثقافي

قوة ناعمة جديدة لمصر

تسجيل الكشري في قائمة التراث غير المادي يمنحه صفة «رأس مال ثقافي» يمكن توظيفه اقتصاديًا وسياحيًا؛

  • إدماجه في عروض الطهي السياحية المرتبطة بزيارة الأهرامات والمتحف المصري الكبير.

  • الترويج لرحلات «تذوق الكشري» ضمن البرامج السياحية في القاهرة التاريخية.

  • دعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة التي تعتمد على بيع الكشري كمنتج رئيسي.

دعم أصحاب المطاعم والعربات الصغيرة

اعتراف اليونسكو يمكن أن يُستخدم أيضًا في دعم عربات الكشري والمطاعم الشعبية من خلال:

  • برامج تمويل صغيرة.

  • دورات تدريبية لتحسين الجودة والنظافة.

  • حملات ترويج تؤكد أن هذه الأماكن جزء من «مسار التراث الغذائي» في مصر.

تراث اليوم والغد.. ما بعد الكشري في قوائم اليونسكو؟

الكحل العربي وطابور الترشيحات القادمة

هذا الإنجاز يأتي بالتوازي مع ترقب واسع لقرار اليونسكو بشأن عناصر مصرية أخرى، مثل «الكحل العربي»، الذي يُنظر إليه أيضًا بوصفه مستحضرًا تجميليًا وتراثًا ثقافيًا محتملًا.

إدراج الكشري يمهد الطريق لمنظور جديد في التعامل مع التراث؛ منظور يعترف بأن:

  • تفاصيل الحياة اليومية.

  • عادات الطعام والشراب.

  • أساليب الضيافة والاحتفال.

كلها أجزاء أصيلة من الهوية، لا تقل أهمية عن المعابد والآثار الحجرية.

تعهد رسمي بمواصلة صون التراث غير المادي

وزارة الثقافة أكدت أنها ستواصل دعم كل العناصر التراثية الحية، وتعزيز التعاون مع المجتمعات المحلية، ما يعني أن ملف الكشري ليس نهاية الطريق، بل بداية مرحلة جديدة من الوعي بأهمية توثيق وحماية ما يبدو بسيطًا في حياتنا، لكنه عميق في دلالاته ومعانيه.

الكشري.. حكاية بلد كاملة في طبق واحد

كشري

في النهاية، يمكن القول إن إدراج الكشري في قائمة التراث غير المادي لليونسكو لعام 2025 ليس مجرد خبر طريف عن «أكلة شعبية»، بل هو اعتراف بأن في هذا الطبق حكاية بلد كاملة؛

  • حكاية تاريخ طويل من التعايش والتنوع.

  • حكاية طبقات اجتماعية تلتقي على مائدة واحدة.

  • حكاية أم مصرية تعلم أبناءها أن «الحب يُطبخ على نار هادئة» مثل صلصة الكشري تمامًا.

ربما لن يتغير اسم الطبق في قائمة الطعام إلى «الكشري العالمي»، لكنه حتمًا أصبح اليوم «طبقًا عالميًا» بالمعنى الحقيقي؛ طبقًا يحمل رائحة الشارع المصري، وصوت الزحمة، وضحكات الناس، وعبارة ختامية لا بد منها:

«هاتلي واحد كشري مصري مسجل في اليونسكو… وشطة زيادة من فضلك».