لقيناها واقعة في الشقة ...حكاية عروس المنوفية بين روايتين.. زوج متهم بالقتل وام تدافع عنه

لم تكن كريمة، عروس المنوفية، تعلم أن مسافة الأربعة أشهر بين «الزفة» و«الجنازة» ستكون قصيرة إلى هذا الحد، وأن بيت الزوجية الذي دخلته مزينة بالورود والتهاني سيفتح أبوابه بعد شهور قليلة لاستقبال قوات الشرطة وأفراد النيابة بدلًا من أهل القرية والمهنئين.
في قرية ميت برة التابعة لمركز قويسنا بمحافظة المنوفية، تحوّلت شقة العروس الشابة إلى مسرح جريمة غامضة، تتقاطع فيه روايات متضاربة، ما بين اتهامات مباشرة للزوج بقتل زوجته الحامل في شهورها الأولى، وبين دفاع مستميت من والدته التي تصرّ على أنه كان زوجًا «حنينًا» لا يبخل على زوجته بشيء، وأن الأسرة فوجئت كما فوجئ الجميع بالكارثة.
قصة أصبحت حديث القرى المجاورة، وموضوعًا لنقاشات لا تنتهي على منصات التواصل الاجتماعي، بين من يطالب بالقصاص السريع ومن يطالب بانتظار كلمة القضاء بعد انتهاء التحقيقات.
بداية الحكاية.. أربعة أشهر بين الفرح والمأتم
بدأت تفاصيل القصة مع خطوبة كريمة.م، ابنة العشرين عامًا، على الشاب أيمن.ج، البالغ من العمر 25 عامًا، ويعمل مساعدًا على سيارة نقل. تمت الخطوبة في مارس/آذار الماضي، ثم أُقيم حفل الزفاف في يوليو/تموز وسط أجواء من الفرح والرضا من الأسرتين.
يصفها أهل قريتها في مركز طوخ بمحافظة القليوبية بأنها «بنت مؤدبة، هادية، مطيعة، بارّة بأهلها»، بينما يقول جيرانها في ميت برة إن ملامحها كانت لا تزال تحمل براءة المراهقة، وأنها اعتادت إلقاء السلام على الجيران بابتسامة خجولة وهي تصعد إلى شقتها المجاورة لمسجد النصر.

لم تمضِ سوى أربعة أشهر على الزواج، حتى استعدت الأسرة لفرحة جديدة، بعدما علمت بحملها في الأشهر الأولى، لكن الفرحة لم تكتمل.. وانقلبت الأحلام الصغيرة إلى مأساة كبيرة.
يوم الجريمة.. صراخ يتوقف فجأة
ظهر يوم سبت عادي بدا مختلفًا فوق العادة داخل شقة الزوجية. بعض الجيران يروون أنهم سمعوا أصواتًا مرتفعة من داخل المنزل، ومشادات غير معتادة بين الزوجين، استمرت – بحسب رواية إحدى الجارات – لفترة قبل أن يتوقف كل شيء فجأة، ويخيم الصمت على المكان.
مرت الدقائق ثقيلة، قبل أن تتسرب الأنباء تباعًا:
كريمة ملقاة على أرض الشقة بلا حراك… والزوج في وضع مريب… والشكوك تتجه سريعًا نحو وقوع اعتداء عنيف انتهى بحياتها.
على الفور، تم إبلاغ الشرطة، وانتقلت قوة من مباحث قويسنا إلى شقة الزوجية، وتم العثور على جثمان العروس، وسط حالة من الصدمة تسود المكان. جرى التحفظ على الزوج واقتياده إلى قسم الشرطة؛ لبدء التحقيقات، بينما نُقل الجثمان إلى مستشفى شبين الكوم التعليمي للعرض على الطب الشرعي.
الطب الشرعي.. آثار عنف وخنق وكدمات
المعاينة الطبية الأولية كشفت – وفقًا للمصادر – عن وجود آثار اعتداء عنيف على جسد كريمة، وكدمات في مناطق متفرقة، بالإضافة إلى علامات ترجح تعرضها للخنق.
التقرير النهائي للطب الشرعي لا يزال قيد الاستكمال، لكنه سيكون كلمة الفصل في تحديد سبب الوفاة بدقة، وما إذا كانت الواقعة قتلًا عمدًا أم أن هناك ملابسات أخرى.
في تلك الأثناء، لم تكن جدران المستشفى تعرف السكون؛ فخارج المشرحة وقفت الأسرة في صدمة كاملة، تتلقى العزاء قبل أن تُدفن الضحية، بينما تزداد الأسئلة ولا تجد إجابات حاسمة.
جنازة مزدوجة.. عروس وطفل لم يولد
بعد الانتهاء من الإجراءات، خرج جثمان كريمة من مشرحة مستشفى شبين الكوم في مشهد مؤثر، وثّقته عدسات بعض الحاضرين. كان الحزن مخيمًا على الوجوه، والدموع لا تنقطع عن عيون الأم وأفراد العائلة، الذين لم يصدقوا أن ابنتهم ستعود إلى مسقط رأسها في مشتهر بطوخ محمولة على الأكتاف بدلًا من أن تعود إليهم حاملة طفلها بين ذراعيها.
فكريمة – وفقًا لروايات الأسرة – كانت حاملًا في شهرها الثالث، ما يعني أن الجريمة لم تُنهِ حياة شابة في العشرين فقط، بل أطفأت معها روحًا لم ترَ النور بعد، ليُشيَّع الجثمانان معًا في جنازة واحدة، وسط هتافات بالقصاص ودعوات لا تنقطع على قبرها.
رواية خالة الضحية.. صراخ استمر لساعات
خلود خالد، خالة كريمة والمقيمة بمحافظة القليوبية، حكت تفاصيل الساعات الأخيرة كما وصلتها:
تقول إن إحدى الجارات اتصلت بالعائلة بعد سماع صراخ متواصل من داخل شقة الزوجين، صراخ استمر لساعات ثم انقطع فجأة، ما أثار شكوك الجيران وأشعل القلق في قلب الأسرة.
تضيف خالة الضحية:
«كريمة ماكنتش بتشتكي من خلافات كبيرة، لكن في الفترة الأخيرة كان في شوية مشاكل، ومع ذلك عمرنا ما توقعنا النهاية دي. فجأة جالنا خبر إنها ماتت. بلغنا الشرطة عشان نثبت الحالة، ونقدر نستلم الجثمان. الخبر نزل علينا زي المصيبة، وحسبي الله ونعم الوكيل».
رواية الخالة تعزز شكوك الأسرة في وجود اعتداء مقصود، خاصة مع حمل الضحية، وحالة الإجهاد التي كانت تعاني منها في الفترة الأخيرة.

صوت آخر من البيت.. رواية الحماة تدافع عن الابن
في المقابل، ظهرت رواية مختلفة تمامًا على لسان والدة المتهم، والتي بدت مصممة على تقديم صورة مغايرة لأحداث ذلك اليوم، وطبيعة علاقة الزوج بزوجته.
تروي الأم أن الأسرة فوجئت هي الأخرى بما حدث، وأنهم – بحسب تعبيرها – «لقوها في شقتها ملقاة على الأرض»، وأن ابنها لم يكن يومًا زوجًا مقصرًا أو عنيفًا كما يُشاع.
تقول الأم – وفق روايتها المتداولة:
«إحنا اتفاجئنا بيها في شقتها ملقاة على الأرض… ابني كان مهنيها، بيديها كل أسبوع 200 جنيه تجيب خضارها وفاكهتها، ومكنش محرومها من حاجة، وبيجيب لها إندومي وكفتة، وبيصرف عليها على قد ما يقدر… عمرنا ما شفناه بيضربها ولا بيهينها».
تحاول الحماة من خلال كلماتها التأكيد على أن ابنها كان كريمًا معها، وأن العلاقة بينهما لم تكن متوترة كما يُصوّر البعض، مشيرة إلى أن كريمة كانت تعاني من تعب الحمل، وأن الطبيب سبق وأكد أن بعض آلامها تعود إلى حالتها الصحية، وليس لسوء المعاملة.
هذه الرواية المتعاطفة مع الابن تضع القارئ أمام مشهد إنساني معقد:
أسرة الضحية تصرخ طالبة القصاص، وأسرة الزوج تحاول التمسك ببراءته وتقديمه كزوج لم يبخل على زوجته بشيء.
بين روايتين.. الحقيقة تنتظر كلمة القضاء
ما بين رواية الخالة التي تتحدث عن صراخ متواصل واعتداء، ورواية والدة المتهم التي تصف ابنها بالزوج «المُهني» الذي لم يبخل على زوجته بطعامها واحتياجاتها اليومية، تقف جهات التحقيق أمام مهمة شديدة الحساسية.
فالقضية لا تتعلق فقط بمقتل زوجة شابة، بل ترتبط أيضًا بجنين لم يُكتب له أن يرى الحياة، وبمستقبل أسرة كاملة قد يتغيّر إلى الأبد تبعًا لما سيثبته التقرير الطبي وتحقيقات النيابة.
قوات الأمن من جانبها تحركت سريعًا، إذ تلقت الأجهزة الأمنية بقويسنا بلاغًا بالعثور على جثة عروس داخل منزل زوجها. انتقل اللواء علاء الجاحر، مدير أمن المنوفية، إلى موقع الواقعة من خلال إخطار من مأمور مركز قويسنا العميد نبيل مسلم، وتم ضبط الزوج والتحفظ عليه، وإحالته للتحقيق.
النيابة العامة استمعت لأقوال أسرة الضحية وعدد من الجيران، مع تكليف الطب الشرعي بإعداد تقرير تفصيلي عن سبب الوفاة، وبيان ما إذا كانت الإصابات ناتجة عن اعتداء عنيف أو حادث عارض، تمهيدًا لتكييف الاتهام قانونيًا.

غضب على السوشيال ميديا.. وحديث عن العنف الأسري
الواقعة أشعلت منصات التواصل الاجتماعي، خاصة مع تداول لقب «عروس المنوفية» وكونها حاملًا في شهورها الأولى.
الكثير من التعليقات حمّلت الزوج المسؤولية مباشرة، واعتبرته امتدادًا لظاهرة العنف الأسري ضد الزوجات، فيما طالب آخرون بالتروّي وانتظار نتيجة التحقيقات قبل إصدار الأحكام.
اللافت أن البعض توقف عند رواية والدة المتهم، وطرح سؤالًا مريرًا:
هل تكفي مصروفات أسبوعية وشراء «إندومي وكفتة» كدليل على حسن المعاملة، أم أن جوهر العلاقة الزوجية أعمق بكثير من التفاصيل المادية؟
وهل كانت هناك خلافات مكتومة لم تظهر للسطح إلا في الساعات الأخيرة؟
ما وراء الجريمة.. أسئلة لا بد أن تُطرح
بغض النظر عن الرواية التي ستثبتها التحقيقات، فإن القضية تفتح بابًا واسعًا للأسئلة:
-
هل تحصل الفتيات قبل الزواج على وعي كافٍ بحقوقهن وكيفية التعامل مع العنف إن ظهر في بدايات الزواج؟
-
هل تحتاج الأسر إلى دور أكبر في متابعة بناتهن بعد الزواج، بعيدًا عن شعار «استحملي» الذي يدفع كثيرات للصمت حتى اللحظة الأخيرة؟
-
كيف يمكن للدولة ومؤسسات المجتمع المدني أن تعزز آليات حماية النساء من العنف الأسري، خاصة في السنوات الأولى من الزواج؟
قصة كريمة لم تعد مجرد خبر عابر في صفحة الحوادث، بل صارت مرآة تعكس حجم المخاطر التي قد تتعرض لها كثير من الفتيات في ظل صمت داخل البيوت وخلافات لا يعرف عنها أحد شيئًا إلا بعد فوات الأوان.
في انتظار العدالة.. روحان تطلبان القصاص
حتى هذه اللحظة، لا تزال القضية في يد جهات التحقيق، ولا يزال الزوج في دائرة الاتهام إلى أن تقول النيابة والقضاء كلمتهما النهائية، وفقًا للأدلة والتقارير الفنية.
لكن المؤكد أن روح عروس المنوفية وطفلها الذي لم يولد بعد يضعان المجتمع كله أمام مسؤولية حقيقية:
مسؤولية البحث عن أسباب العنف داخل البيوت، وعدم التهاون مع أي إشارة خطر، ومسؤولية تذكّر أن صرخات الأم على قبر ابنتها ليست مجرد مشهد عابر، بل تحذير صارخ من أن ترك الضحايا وحدهم يفتح الباب لمآسٍ جديدة.
إلى أن يصدر الحكم النهائي، ستظل كريمة رمزًا لعروس خرجت من بيت أهلها إلى بيت الزوجية حاملة أحلامًا بسيطة بحياة هادئة وأسرة صغيرة، فعادت إلى بيتها في نعش، لتعلّم الجميع أن الصمت أمام العنف قد يكون قاتلًا، وأن العدالة – مهما تأخرت – تبقى الأمل الأخير في إنصاف الضحايا وردع كل من تسوّل له نفسه الاعتداء على الأرواح داخل أكثر الأماكن المفترض أنها أمانًا: البيت.

