تمدد مصر في أفريقيا يربك إثيوبيا: بيان عدائي يكشف الخوف من النفوذ المصري

الذعر الإثيوبي يتصاعد… الوجود المصري في أفريقيا والقرن الأفريقي يكبح التوسع الأجوف لأديس أبابا ويكشف هشاشة مشروعها المدعوم خارجيًا
شهدت الساحة السياسية الأفريقية توترًا غير مسبوق بعد البيان الإثيوبي الأخير الذي هاجم مصر بحدة، مستخدمًا لغة غير دبلوماسية تكشف – وفق محللين – حالة خوف مرتفع داخل دوائر الحكم في أديس أبابا من الزخم المصري المتزايد في أفريقيا والقرن الأفريقي تحديدًا.
البيان الذي صدر على خلفية ملف سد النهضة والتحركات المصرية الإقليمية، فتح مجددًا باب الجدل حول أسباب ارتباك إثيوبيا، ولماذا ترى في التواجد المصري تهديدًا مباشرًا لطموحاتها التوسعية المدعومة من قوى خارجية أبرزها إسرائيل وبعض الدول المناوئة.
حضور مصري قوي في أفريقيا… وإثيوبيا تشعر بأن الأرض تهتز تحت قدميها
منذ سنوات، عززت القاهرة وجودها السياسي والاقتصادي والأمني في مختلف دول القارة، من غربها إلى شرقها. غير أنّ التحركات المصرية في القرن الأفريقي تحمل وزنًا مختلفًا، إذ تمسّ مباشرة مشاريع الهيمنة الإثيوبية الرامية لفرض نفوذها الإقليمي عبر ملف المياه وترهيب دول الجوار.
وقد سعت بعض القوى الإقليمية – على رأسها إسرائيل – لاستثمار التوتر بين القاهرة وأديس أبابا في محاولة للضغط على مصر، لكن التحركات المصرية في السنوات الأخيرة قلبت الحسابات الإثيوبية رأسًا على عقب، وهو ما ظهر جليًا في البيان الهجومي الأخير.
خبراء مصريون: “إثيوبيا مذعورة”… والبيان خارج حدود اللياقة
اعتبر خبراء وبرلمانيون مصريون أن البيان الإثيوبي الأخير “خارج عن حدود اللياقة السياسية”، ويحمل لغة متشنجة تعكس ذعرًا إثيوبيًا واضحًا من التقارب المصري مع دول أفريقيا، ومن النشاط الدبلوماسي والأمني القوي للقاهرة في منطقة القرن الأفريقي.
وقال وزير الري المصري الأسبق محمد نصر الدين علام إن ردود أفعال إثيوبيا تكشف حالة “عدم احترام للقانون الدولي والتنصل من الالتزامات”، مؤكدًا أن إثيوبيا أقامت عشرات المنشآت على النيل الأزرق دون إخطار مصر أو السودان، ما جعل أزمة السد “قنبلة مائية” أُسست على الخداع.
وأضاف علام أن إثيوبيا لم تخطر مصر بنيتها إقامة السد في 2011، واستغلت الظروف الداخلية المصرية لفرض واقع جديد، ثم دخلت في مفاوضات شكلية لم تُنتج شيئًا.
شراقي: “بيان إثيوبيا محشو بالادعاءات الكاذبة ومليء بالهلع من التواجد المصري”
قال خبير المياه عباس شراقي إن البيان الإثيوبي الأخير يكشف عن “خوف إثيوبي واضح من النشاط المصري في القرن الأفريقي”، متهمًا إثيوبيا بنشر معلومات “خاطئة ومضللة” حول اتفاقيات المياه ورفض المفاوضات.
وشدد شراقي على أن مصر لم ترفض يومًا الحوار، بل كانت المبادِرة به مرارًا منذ 2011:
-
زيارة عصام شرف إلى أديس أبابا
-
تشكيل اللجنة الدولية
-
مفاوضات مباشرة وثلاثية وسداسية وتساعية
-
مفاوضات برعاية أمريكية والدعم الدولي
-
مفاوضات برعاية الاتحاد الأفريقي
-
إعادة محاولات 2023 التي فشلت بسبب التعنت الإثيوبي
وأضاف أن إثيوبيا تتحدث عن “اتفاقيات استعمارية” رغم أنها لم تُستعمَر أصلاً إلا بضع سنوات من إيطاليا دون توقيع أي اتفاقيات مائية خلال تلك الفترة.
مهران: “إثيوبيا تقلب الحقائق لأنها تعرف ضعف موقفها القانوني”
أكد الدكتور محمد محمود مهران، الأمين العام للجنة الدولية للدفاع عن الموارد المائية، أن الخطاب الإثيوبي يعكس إدراكًا عميقًا لدى أديس أبابا بأنها تقف على أرض قانونية هشة، إذ تصرّ على قلب الحقائق وتشويه المواقف القانونية المصرية بدلاً من الالتزام بالاتفاقيات الدولية.
وأشار مهران إلى أنّ:
-
إعلان إثيوبيا بأن لها “سيادة مطلقة” على النيل مخالف للقانون الدولي
-
المادة 7 من اتفاقية 1997 تنص صراحة على عدم التسبب في ضرر
-
المادة 10 من إعلان المبادئ تنص على عدم المضي في الملء والتشغيل دون اتفاق
-
115 مليون مصري يعتمدون كليًا على النيل، وهو ما ترفض إثيوبيا الاعتراف به
كما أكد أن اتهام إثيوبيا لمصر بالتهديد “يتجاهل الصراعات التي تشعلها أديس أبابا” وسعيها للسيطرة على موارد المنطقة بطرق “أقرب إلى التوسعية”.

الحقائق المائية: “إثيوبيا تشوه الأرقام لتبرير مشروعها السياسي”
كشف شراقي عن عدة مغالطات في البيان الإثيوبي، أبرزها:
-
الزعم بأن النيل الأزرق يمثل 86% من مياه النيل، بينما نسبته الفعلية 60% فقط
-
الزعم بأن مصر “تحتكر” مياه النيل، رغم كونها دولة مصب تستقبل ما يتبقى من الأمطار
-
تجاهل إثيوبيا حقيقة أن الأنهار المشتركة لا تخضع لسيادة مطلقة لأي دولة
وتابع شراقي:
“الأنهار الدولية ليست ملكية خاصة. هي أنهار مشتركة، ولا يجوز إجراء أي مشاريع عليها دون إخطار مسبق ودون إضرار.”
“الحقبة الاستعمارية”… ذريعة بالية تتجاهل 6 اتفاقيات رسمية ملزمة
أشار شراقي إلى أنّ بين مصر وإثيوبيا ست اتفاقيات (1891، 1902، 1906، 1925، 1993، 2015) لا يمكن لإثيوبيا إلغاؤها بشكل أحادي.
وأكد أن دعوى “الاتفاقيات الاستعمارية” غير ذات معنى، لأنها تتعارض مع ميثاق الأمم المتحدة الذي يُلزم الدول باحترام الاتفاقيات التاريخية المتعلقة بالحدود والمياه.
التهديدات المزعومة… من الذي هدد الآخر؟
أوضح مهران وشراقي أن الاتهامات الإثيوبية لمصر بأنها “تهددها” تتناقض مع:
-
تصريحات رئيس الوزراء الإثيوبي 2019 حول “تجنيد مليون مقاتل ضد مصر”
-
تصريحات رئيس الأركان الإثيوبي 2020 عن “استعداد الجيش لمواجهة مصر”
-
الملء الأحادي المتكرر لسد النهضة
-
التصرفات الأحادية التي تسببت بفيضانات السودان
بينما ظلت القاهرة ملتزمة بخطاب دبلوماسي واضح، يدعو للحوار ويحذر فقط من المساس بالأمن المائي المصري، وهو حق يكفله القانون الدولي والمادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة.

لماذا تخشى إثيوبيا النفوذ المصري في القرن الأفريقي؟
وفق محللين، يمكن تلخيص الأسباب في:
-
التغلغل المصري الإيجابي في أفريقيا
-
التحالفات المصرية مع دول حوض النيل
-
التواجد المصري في القرن الأفريقي الذي يحدّ من النفوذ الإثيوبي
-
تراجع شعبية الحكومة الإثيوبية مع تفاقم الحروب الداخلية
-
اعتماد إثيوبيا على دعم إسرائيلي وأطراف أخرى للضغط على مصر
-
خوف إثيوبيا من تحوّل دول المنطقة إلى داعمين للموقف المصري
خلاصة تحليلية: “صوت إثيوبيا يرتفع حين يرتفع تأثير مصر”
تكشف ردود الفعل الإثيوبية عن قاعدة سياسية معروفة:
كلما تقدمت مصر في أفريقيا والقرن الأفريقي، ازداد توتر وقلق إثيوبيا.
فالتمدد المصري في المنطقة يكبح الطموحات التوسعية لإثيوبيا، ويعيد التوازن الجيوسياسي الذي حاولت أديس أبابا اختلاله خلال عقد كامل من الزمن.
ولهذا، فإن البيان الهجومي الأخير – رغم لغته الحادة – ليس إلا دليل خوف لا دليل قوة، ومحاولة لإشغال الداخل الإثيوبي عن أزماته المتفاقمة، بينما تواصل مصر العمل بهدوء وثبات لضمان أمنها المائي ومكانتها في أفريقيا.
الدور الإسرائيلي الخفي… دعم إثيوبيا ورقة ضغط على مصر في معركة النفوذ الإقليمي
لا يمكن فهم التصعيد الإثيوبي ضد مصر أو قراءة خطابه المتوتر بمعزل عن الدور الإسرائيلي المتصاعد في القرن الأفريقي، وهو دورٌ قديم يتجدد كلما اشتدت منازعات مياه النيل أو ارتفعت أهمية المنطقة استراتيجيًا. فقد سعت تل أبيب، منذ عقود، إلى إيجاد موطئ قدم في دول حوض النيل بهدف محاصرة النفوذ المصري التقليدي في أفريقيا، واستغلال أي توتر بين القاهرة وجيرانها لمراكمة مكاسب استراتيجية.
وفي السنوات الأخيرة، تعمق هذا الدور بشكل واضح عبر تعاون عسكري واستخباراتي وخدمات تقنية قدمتها إسرائيل لإثيوبيا، بالتزامن مع بناء سد النهضة، ما أثار تساؤلات حول مدى ارتباط الدعم الإسرائيلي المباشر بتشجيع أديس أبابا على اتباع نهج أكثر تصلبًا في المفاوضات. وتشير تقارير إقليمية إلى زيارات أمنية متبادلة، وتزويد إثيوبيا بأنظمة مراقبة ومعدات اتصال حديثة ساعدتها في تعزيز قدراتها الداخلية، وهو ما استغلته الحكومة الإثيوبية في تثبيت مشروعها المائي وفرض سياسات أحادية دون اعتبار للدول المتضررة.
كما ترى دوائر عربية وأفريقية أن تل أبيب تسعى لاستغلال هذا الملف كورقة ضغط على مصر، سواء عبر التأثير في مسار المفاوضات أو عبر تمكين إثيوبيا من خلق واقع ميداني جديد، يفرض على القاهرة الانخراط في ملفات أخرى خارج حدودها. ويعتبر محللون أن هذا الدعم ليس حبًا في إثيوبيا بقدر ما هو محاولة لتعطيل أي مشروع مصري يعزز أمنها المائي أو يعيد توسيع نفوذها الإقليمي في أفريقيا.

وعلى الرغم من ذلك، فإن التحركات المصرية الأخيرة في القارة، وخاصة في القرن الأفريقي، قلبت حسابات عدة دول، إذ أصبحت القاهرة لاعبًا يصعب تجاوزه، ما دفع إثيوبيا – ومن خلفها داعموها – إلى استخدام خطاب حاد يعكس خوفًا حقيقيًا من عودة مصر بقوة إلى عمقها الاستراتيجي الأفريقي.

