الصومال تحت قبضة “داعش الجديد”.. القصة الكاملة لصعود عبد القادر مؤمن الهارب من 15 محاولة اغتيال

عبد القادر مؤمن.. “شبح داعش” الذي نقل مركز القيادة إلى الصومال ويهدد أمن العالم من كهوف بونتلاند
في زمن تتشابك فيه مسارات الإرهاب والتمدد الفكري العابر للحدود، تبرز شخصية عبد القادر مؤمن كإحدى أخطر القصص التي تجسّد كيف يمكن لرجل واحد أن يعيد تشكيل خريطة التطرف عالميًا. فمن مقعد الوعظ في لندن، مرورًا بسويسرا وغوتنبرغ والمملكة المتحدة، وصولًا إلى أعالي جبال شمال الصومال، نسج مؤمن طريقًا دمويًا جعله في نظر المخابرات الأمريكية “القائد الفعلي لتنظيم داعش عالميًا”.
وبينما يظن البعض أن سقوط التنظيم في العراق وسوريا عام 2019 مثّل النهاية، كان مؤمن يبني نسخة جديدة من الخلافة في واحدة من أكثر مناطق العالم هشاشة: بونتلاند الصومالية، حيث تحوّلت الجبال والكهوف إلى دولة تحت الأرض، وجيش يضم مقاتلين من أكثر من 30 دولة.
هذه هي القصة الكاملة — الممتدة عقودًا — لرجل أعاد إحياء داعش من تحت الركام وجعل الصومال مركز القيادة الجديد.
مطاردة عالمية تنتهي باللاشيء.. “الشبح” الذي لا يموت
قبل أسابيع فقط، اعتقدت الأجهزة الصومالية والأمريكية أنها على وشك الإمساك بالرجل بعد اعتراف أحد أسرى داعش بمخبئه في منطقة "كال مسكاد". شنّت القوات الأمريكية غارة جوية دقيقة… لكن المفاجأة كانت أن الجثث المتفحمة لم تتضمن جثة مؤمن.
ومرة أخرى، اختفى الرجل الذي نجا من أكثر من 15 محاولة اغتيال جوية خلال 9 سنوات.

يقول النقيب عمر يوسف محمد، قائد الشرطة البحرية في بونتلاند:
“قتل مؤمن سيكون أسعد يوم في حياتي.. فقد أصاب أرضنا بفيروسه الفكري وجلب الموت لشعبنا.”
من سقوط داعش إلى ميلاد نسخة أكثر خطورة في أفريقيا
بعد انهيار داعش في العراق وسوريا، كان السؤال: أين ستنتقل القيادة؟
الإجابة جاءت في أبريل/نيسان 2025 على لسان قائد “أفريكوم” الجنرال مايكل لانغلي:
“مركز إدارة داعش العالمية انتقل إلى الصومال، وعبد القادر مؤمن هو قائد التنظيم فعليًا.”
من نواة مكوّنة من 30 مقاتلًا فقط عام 2015، ارتفع العدد إلى 1200 مقاتل بنهاية 2024، ليتحوّل فرع الصومال إلى أهم فروع داعش بعد الشرق الأوسط.
تقارير استخباراتية أكدت أن جناح الصومال موّل هجمات كبرى، بينها تفجير مطار كابل 2021.
هجوم على ميناء بوصاصو.. ومعارك عام كامل
خطط مؤمن للسيطرة على ميناء بوصاصو الاستراتيجي. رصدت أجهزة الاستخبارات الخطة، فتدخلت قوات بونتلاند بدعم أمريكي.
وعلى مدار عام كامل، شهدت المنطقة واحدة من أعنف الحملات العسكرية، تخللتها عمليات إنزال أمريكية، أبرزها عملية 25 نوفمبر التي قتلت عناصر من سوريا وتركيا وإثيوبيا.
ورغم هذا الضغط العسكري الهائل، لا يزال مؤمن يتنقل ليلًا بين الكهوف، ويصدر أوامره عبر رسائل مكتوبة فقط.. كما كان يفعل بن لادن قبل مقتله.
من منابر لندن إلى جبال الصومال.. رحلة التشدد الطويلة

ولد مؤمن في بونتلاند مطلع الخمسينيات، وانتقل إلى أوروبا هربًا من الحرب الأهلية:
-
عاش في السويد حيث بدأت مراحل التشدد
-
انتقل إلى بريطانيا وأصبح إمامًا في مسجد قباء في ليستر
-
ثم خطيبًا في مسجد غرينتش في لندن
هناك التقى برموز التطرف في بريطانيا:
“الجهادي جون” (محمد الموازي)، ومايكل أديبولاجو قاتل الجندي ريغبي.
وتشير وثائق بريطانية إلى أنه كان يجند الشباب في مقاهي القات شرق لندن.
عام 2010، ومع تضييق الرقابة عليه، عاد إلى الصومال والتحق بحركة الشباب المرتبطة بالقاعدة.
لكن خلافاته الفكرية داخل الحركة دفعته إلى الانشقاق وإعلان مبايعة داعش عام 2015 عبر تسجيل صوتي.
كهوف حصينة.. و”دولة كاملة” تحت الأرض
يعيش عناصر التنظيم في شبكة جبال “غال غالا” و“كال مسكاد”، حيث تنتشر كهوف حُفرت بمهارة:
-
مستشفيات ميدانية
-
أجهزة تصوير مقطعي
-
ورش خياطة
-
معامل بدائية
-
مخازن أسلحة وصواريخ
عُثر على أكثر من 2000 صاروخ مهرّب من اليمن.
ويقول خبراء إن التنظيم انتقل من “فكر الكهوف” إلى “تكنولوجيا الجبال”:
طائرات مسيّرة، قناصة محترفون، وألغام تكتيكية.
كما عاش داخل هذه الجبال أكثر من 800 امرأة وطفل، لم يتبقّ منهم إلا نحو 80 بعد المعارك والنزوح.

شبكة تجنيد دولية.. 30 جنسية داخل كتيبة مؤمن
صوَر قوات بونتلاند تكشف عن مقاتلين من:
مصر – المغرب – تنزانيا – اليمن – كندا – ألمانيا – الأرجنتين – فرنسا – بلجيكا وغيرها.
ينقسم القادمين إلى فئتين:
هاربون من انهيار داعش في الشرق الأوسط
شباب خُدعوا بوعود الزواج والراتب (2000 دولار شهريًا)
يخضعون لتدريب قاسٍ لمدة 6 أشهر في معسكر قرب قرية شباع التي اتخذها التنظيم عاصمة له.
وفي فيديو دعائي عام 2016، ظهر مؤمن نفسه وهو يخطب فيهم، وبجانبه بندقية كلاشينكوف، وهو يمنحهم “بركته” قبل القتال.
الرجل الذي يقود الإرهاب العالمي من قلب الفراغ الأمني الأفريقي
رغم الضربات القاسية، لا يزال عبد القادر مؤمن يمثل أخطر تهديد إرهابي في العالم.
فهو ليس مجرد قائد محلي، بل رأس شبكة دولية تربط الشرق الأوسط بأفريقيا وآسيا الوسطى.
ورغم أن التنظيم تلقى خسائر فادحة في 2024 و2025، إلا أن هروب مؤمن المستمر يمنح داعش الصومال فرصة لإعادة التشكل.
ومع تصاعد تمدد الإرهاب في أفريقيا خلال السنوات الأخيرة، يبقى السؤال:
هل تقترب نهاية عبد القادر مؤمن… أم أن الرجل سيواصل الهروب، ليصنع جيلًا جديدًا من الإرهاب العابر للحدود؟

