انقلاب غينيا بيساو… حين يبتلع الجنرال صديقَه وتخرج الحقيقة من قلب الفوضى

خرجت غينيا بيساو — ذلك البلد الفقير الممزق بين الخلافات السياسية وتجارة المخدرات — إلى واجهة الأخبار مجددًا بانقلاب عسكري لم يفاجئ أحدًا بقدر ما فضح هشاشة الدولة ومسرحيتها السياسية المستمرة منذ عقود.
لم يكن الأمر سوى إعادة إنتاج لنفس السيناريو الذي تكرر عشرات المرات في دول القارة… لكن هذه المرة كان المدهش هو البطل: الجنرال هورتا نتا، صديق الرئيس المخلوع عمر سيسوكو إمبالو، ورئيس أركانه، ورجل ثقته الأول… الرجل الذي أدّى اليمين بجانبه، ثم أدّى اليمين عليه.
صديق الأمس… الجنرال الذي أطاح بالرئيس الذي صنعه
حتى صباح الأربعاء، كان إمبالو يجلس مطمئنًا في قصره الرئاسي، بينما كان نتا إلى جواره بصفته الرجل الأقوى في القوات البرية.
ولكن — كما هو معتاد في "الفيلم الأفريقي" الطويل — تبدل المشهد فجأة:
جنود يحاصرون القصر، إطلاق نار يهز العاصمة، وبيان عاجل يعلن أنّ الرئيس "يُعامل بشكل جيد" بينما هو في قبضة من كان يثق بهم.
الأغرب من ذلك؟
نتا، الذي كان مجرد اسم عادي داخل المؤسسة العسكرية، أصبح خلال ساعات الرجل الأقوى، وتم تنصيبه رئيسًا للمرحلة الانتقالية لعام كامل.
حليف الأمس أصبح خصم اليوم، والعلاقة التي ظنّها الجميع متينة تحوّلت إلى خنجر سياسي في ظهر الرئيس.

هل كان انقلابًا… أم خطة للهروب من الهزيمة؟
المعارضة لم تنتظر طويلًا قبل أن تطلق قنبلتها:
«الانقلاب مفبرك… وإمبالو يهرب من هزيمة انتخابية كانت مؤكدة».
فحسب ما أعلن مرشح المعارضة فرناندو دياس، نتائج الأحد كانت محسومة لصالحه — وهو ما جعل تعطيل العملية الانتخابية مكسبًا واضحًا للمعسكر الرئاسي.
ومع أن الجيش خرج ليبرر الانقلاب بـ"تهديدات أمنية" و"تهريب أسلحة"، فإن محللين كثيرين — داخل البلاد وخارجها — قالوا ما يهمس به الجميع:
الزمن فقط سيكشف إن كان الانقلاب على الرئيس… أم بالتفاهم معه.
غينيا بيساو… بلد لا يعرف الاستقرار منذ ميلاده
منذ استقلالها عام 1974، لم تتنفس غينيا بيساو يومًا بلا شبح انقلاب أو محاولة انقلاب:
-
رؤساء يُطاح بهم
-
حكومات تُحل
-
انتخابات تتعطل
-
جيش يقرر كل شيء
والمشهد ثابت: السياسية تتحرك بالبنادق، لا بالصناديق.
ليس ذلك فقط…
بل تحولت الدولة إلى مركز دولي لتجارة المخدرات بين أمريكا الجنوبية وأوروبا، مستفيدة من ضعف السلطة وفساد النخب وضعف الرقابة الحدودية.
لذلك لم يكن غريبًا أن يقول أحد الجنرالات أثناء المؤتمر الصحفي بعد الانقلاب:
«اكتشفنا مخططًا لزعزعة الأمن بمشاركة تجار مخدرات محليين».
قد يكون ذلك صحيحًا… وقد يكون مجرد ستار لسيناريو أكبر بكثير.

عاصمة مشلولة… وشكوك تغزو الشارع
بعيدًا عن الشعارات العسكرية، كانت شوارع بيساو مساء الخميس شبه مهجورة:
-
متاجر مغلقة
-
أسواق فارغة
-
حواجز عسكرية عند القصر
-
انتشار كثيف للجنود
-
وحدود فُتحت بعد أن أغلقت لساعات
الناس في حالة صدمة، لكنهم — بواقعية الأفارقة — اعتادوا على هذه المشاهد.
فكل انقلاب يحمل نسخة طبق الأصل من سابقه، حتى أن سكان العاصمة يرددون بسخرية:
«نعرف الانقلاب من صوت أول طلقة… قبل البيان العسكري!».
الجنرال نتا… رئيس سنة واحدة أم ديكتاتور جديد؟

هو الآن "الرجل القوي".
لكن هل يستمر؟
هل سيعيد الانتخابات؟
أم سيعيد صياغة اللعبة السياسية لصالحه؟
أسئلة تطرحها النخب والمراقبون، خصوصًا أن الرجل لم يكن معروفًا، ولم يكن متوقعًا له أي دور سياسي.
فكيف ظهر بهذه القوة فجأة؟
ومن دفعه؟
ولماذا هو بالتحديد؟
المعارضة تقول إن اختياره "مناسب للرئيس" حتى وهو قيد الاعتقال.
آخرون يرون أن الجيش اختاره ليرضي الجميع دون استفزاز كبار الضباط.
لكن الحقيقة التي يدركها الجميع:
في أفريقيا… من يسيطر على السلاح هو من يسيطر على الدولة.
الاتحاد الأفريقي يدخل على الخط
لم يتأخر الاتحاد الأفريقي، وطالب بالإفراج الفوري عن إمبالو، وعودة البلاد إلى المسار الدستوري.
لكن هذا النوع من البيانات لم يغير كثيرًا في السابق، ولا يتوقع أن يغير الآن.
فدول القارة التي غرقت في دوامة الانقلابات لا تسمع إلا لصوت القوة… والقوة الآن بيد الجنرال نتا.

