الصباح اليوم
بوابة الصباح اليوم

العالم

تفاؤل أمريكي يصطدم بعقبات كبرى.. أين وصلت محادثات تسوية حرب أوكرانيا؟

اطراف المحادثات الرئيسين
-

تتسارع الدبلوماسية الأميركية لإيجاد مخرج للحرب المستمرة في أوكرانيا منذ فبراير 2022 حيث تواصل إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بث نبرة متفائلة بشأن مسار محادثات التسوية، رغم أن الطريق لا يزال مليئًا بالخلافات الجوهرية.

ترامب أكد وجود "تقدم هائل" في المفاوضات، مشيدًا بعمل فريقه رغم ما وصفه بـ"بعض نقاط الخلاف المتبقية". وفي السياق ذاته، تحدث وزير الخارجية ماركو روبيو عن "محادثات إيجابية للغاية" في جنيف وأن النقاط المتبقية ليست مستعصية على الحل.

لكن خلف هذه اللغة الدبلوماسية الهادئة، تكشف المعلومات المسرّبة حجم الهوة بين ما تسعى واشنطن لانتزاعه من كييف، وما هو مقبول سياسيًا وأمنيًا لدى أوكرانيا، وفق ما نقلته شبكة “سي إن إن”.

الرئيس الأمريكي دونالد ترامب

مصدر أوكراني: فجوات كبيرة رغم التقدم

مصدر أوكراني رفيع مطلع على المفاوضات أكد للشبكة أن تقدّمًا قد تم بالفعل بشأن معظم بنود خطة السلام الأمريكية من 28 بندًا، إلا أن ثلاث نقاط خلافية بقيت "جوهرية وحاسمة"، وقد تحدد مصير الجهود السياسية برمتها.

هذه النقاط الثلاث تمثل — من وجهة نظر كييف — خطوطًا حمراء، بينما تعتبرها موسكو شروطًا أساسية لإنهاء الحرب.

النقطة الأولى: التخلي عن أراضٍ في دونباس

النقطة الأكثر حساسية تتعلق باحتمالية قبول أوكرانيا التنازل عن بلدات ومناطق رئيسية في دونباس، بما فيها ما يسمى "حزام الحصن"، وهي مناطق عالية التحصين تعدّ جزءًا من منظومة الأمن الوطني الأوكراني.

مقترحات سابقة من واشنطن كانت تدفع نحو جعل هذه المناطق منزوعة السلاح تحت إدارة روسية مؤقتة، لكن كييف رفضت الصياغات الأولى.

وقال المصدر الأوكراني:

"تم إحراز تقدم ملموس، لكن القول إننا اتفقنا على نسخة نهائية سيكون خطأ جسيمًا."

النقطة الثانية: حجم الجيش الأوكراني

الخلاف الثاني يتمحور حول المقترح الأمريكي بتحديد حجم الجيش الأوكراني بـ 600 ألف جندي.

كييف ترى أن الرقم لا يتناسب مع أخطار الحرب وأن عليها الحق في الاحتفاظ بقدرات دفاعية أكبر.

ووفق المصدر فقد نوقشت أرقام جديدة "أعلى"، لكنها لا تزال غير مقبولة رسميًا.

الرئيس الأمريكي دونالد ترامب

النقطة الثالثة: التخلي عن حلم الانضمام للناتو

المطلب الأمريكي الأكثر جدلًا هو دعوة أوكرانيا للتراجع عن سعيها الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو).

هذا المطلب مرفوض قاطعًا في كييف، حيث ترى القيادة الأوكرانية أن التخلي عن هذا الهدف سيمنح روسيا حقًّا فيتوياً دائمًا على مستقبلها الأمني.

المصدر الأوكراني وصف هذا البند بأنه "سابقة سيئة"، وسيشكّل نهاية للاستقلال السياسي لأوكرانيا إن تم اعتماده.

خلافات مرتبطة بأسباب الحرب نفسها

القضايا الثلاث — الأراضي، حجم الجيش، والناتو — تمثل أيضًا الأسباب التي لطالما قالت موسكو إنها وراء اندلاع الحرب. ولهذا تصر روسيا على حلها بما يتفق مع رؤيتها ومصالحها.

أما بالنسبة لكييف، فهذه الملفات تمثل لبّ السيادة الأوكرانية، وهي خطوط حمراء يصعب التراجع عنها حتى تحت ضغط الحرب.

خطة ترامب “معدلة”.. وإيفاد مبعوثين إلى موسكو وكييف

في موازاة هذه الملفات المعقدة، طرحت إدارة ترامب خلال الأيام الماضية نسخة معدلة من خطة السلام، وصفها ترامب بأنها خضعت لـ "تنقيح دقيق" وأنها تحرز تقدمًا.

وكشف ترامب أنه سيرسل مبعوثه ستيف ويتكوف للقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بينما سيزور دان دريسكول كييف للاجتماع بالمسؤولين الأوكرانيين. كما ألمح إلى إمكانية انضمام جاريد كوشنر لويتكوف لاحقًا.

ترامب قال للصحفيين من داخل طائرة الرئاسة إن الخطة "ما تزال مفهومًا قيد التطوير" وليست وثيقة نهائية.

انتقادات حول دور ويتكوف

رغم أن ترامب نفى تجاوز ويتكوف لصلاحياته، إلا أن تسجيلًا مسربًا نشرته وكالة بلومبيرغ أظهر أن المبعوث كان يوجّه مستشار بوتين بشأن كيفية الحديث مع ترامب، ما أثار ردود فعل غاضبة.

النائب الجمهوري دون بايكن قال إن التسجيل يظهر “ميلًا واضحًا لصالح روسيا”، معتبرًا أن ويتكوف “لا يمكن الوثوق به”.

دعم أوروبي.. وحذر روسي

الدبلوماسية الأوروبية بدورها تواكب التطورات:

  • الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أكد أن المفاوضات وصلت إلى “مرحلة حاسمة”.

  • رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر قال إن معظم النص "قابل للقبول من جانب زيلينسكي".

مع ذلك، أوضح عضو الوفد الأوكراني أولكسندر بيفز أن “الحديث عن اتفاق نهائي لا يزال مبكرًا”، مشيرًا إلى أن واشنطن قلّصت عدد بنود خطتها بعد حذف البنود غير الأساسية.

أوكرانيا: نافذة أمل صغيرة.. ورهانات كبيرة

الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي وصف قائمة الخطوات المطروحة لإنهاء الحرب بأنها "قابلة للتطبيق"، لكنه أكد أنه سيناقش “قضايا حساسة” مع ترامب مباشرة.

مستشاره رستم أوميروف أشار إلى أن كييف تأمل إتمام الاتفاق “في أقرب وقت خلال نوفمبر”.

على الجانب الروسي، قال وزير الخارجية سيرغي لافروف إن موسكو تنتظر نسخة “مؤقتة” من المقترحات بعد تشاور واشنطن مع الأوروبيين والأوكرانيين.

الطريق ما زال طويلًا نحو السلام

رغم موجة التفاؤل في التصريحات الأمريكية، تبدو العقبات الثلاث الكبرى — الأراضي، الجيش، والناتو — كافية لإعادة خلط الأوراق في أي لحظة.

وبين التفاؤل الأمريكي، والحذر الأوروبي، والتمسك الأوكراني بالسيادة، والإصرار الروسي على شروطها، يبقى القرار الأخير مرهونًا بمدى قدرة الأطراف على تقديم تنازلات دون المساس بجوهر مصالحها العسكرية والسياسية.