خطة السلام المسربة تشعل مواجهة بين واشنطن وكييف.. وأوروبا تتمرد على التسوية الأمريكية

خطة سلام مسرّبة تشعل الخلافات: واشنطن تتهم كييف بالتسريب… وأوروبا تتمرد على مشروع التسوية
في جولة تفاوضية حسّاسة شهدتها مدينة جنيف السويسرية، انفجرت أزمة دبلوماسية جديدة بين الولايات المتحدة وأوكرانيا، بعد اتهام البيت الأبيض لوفد كييف بتسريب تفاصيل سلبية من خطة التسوية الأمريكية المقترحة لإنهاء الحرب مع روسيا.
هذه التطورات المفاجئة دفعت واشنطن إلى مطالبة كييف باعتذار علني وتقديم بيان إيجابي يهدّئ الأجواء، وسط تصاعد التوتر داخل غرف المفاوضات، وتسريب البنود الكاملة تقريبًا من الخطة التي وُصفت بأنها «الأكثر جرأة منذ بدء الحرب».
اتهامات واشنطن… وردّ كييف تحت الضغط
كشف المراسل الدبلوماسي باراك رافيد (موقع Axios) أن الاجتماع شهد لحظة توتر شديدة، حين اتهم ممثلو البيت الأبيض أعضاء الوفد الأوكراني بتسريب معلومات حسّاسة للصحافة الأمريكية، ما أدى إلى ردود فعل غاضبة.
وبحسب رافيد، اضطرت كييف — تحت ضغط أمريكي مباشر — إلى إصدار بيان إيجابي باسم أحد مفاوضيها، في محاولة لتهدئة الأزمة وعدم إفشال المفاوضات قبل أن تبدأ فعليًا.

في المقابل، طالب الوفد الأوكراني بإجراء تعديلات جوهرية على الخطة الأمريكية، خصوصًا البنود المتعلقة بالسيادة، وتسليم الأراضي، ومستقبل الجيش الأوكراني، وهو ما وافقت واشنطن على مناقشته بتردد واضح.
الخطة المسربة… تنازلات كبرى مقابل ضمانات غامضة
جاء التسريب الأكبر من وسائل إعلام أمريكية وأوروبية، التي نشرت ما قيل إنه المسودة الكاملة للخطة. وكان أبرز ما ورد فيها:
أولًا: بنود خاصة بالأراضي والسيادة
-
اعتراف أمريكي وأوروبي بـ سيادة روسيا على القرم، دونباس، والأراضي التي ستتخلى عنها أوكرانيا لاحقًا.
-
إنشاء منطقة منزوعة السلاح في المناطق التي ستنسحب منها القوات الأوكرانية.
ثانيًا: مستقبل الجيش الأوكراني
-
تجميد خط التماس الحالي بين روسيا وأوكرانيا في خيرسون وزابوروجيه.
-
تقليص كبير لحجم الجيش الأوكراني.
-
منع كييف من امتلاك أسلحة بعيدة المدى.
-
حظر نشر قوات أجنبية داخل أوكرانيا.
ثالثًا: حقوق السكان واللغة
-
اعتماد اللغة الروسية لغة رسمية داخل أوكرانيا إلى جانب الأوكرانية.
رابعًا: الاقتصاد والعقوبات
-
رفع العقوبات المفروضة على روسيا تدريجيًا، بمجرد التزام الطرفين بوقف إطلاق النار.
خامسًا: الضمانات الأمنية
-
تتلقى كييف ضمانات أمنية أمريكية وأوروبية دون تحديد طبيعتها بوضوح—وهو بند أثار قلقًا واسعًا داخل الوفد الأوكراني.
رفض أوروبي حاد… ألمانيا تقود التمرد

أثارت الخطة الأمريكية عاصفة داخل الاتحاد الأوروبي. فقد رفض قادة أوروبا عددًا كبيرًا من بنودها واعتبروها «منحازة بشكل كامل لموسكو».
ونشرت صحيفة بيلد الألمانية أن حكومة برلين تشعر بقلق بالغ، وأنها بدأت بالفعل التحضير لـ إجراءات دبلوماسية مضادة لإفراغ الخطة من مضمونها.
ويخشى الأوروبيون أن تؤدي هذه الخطة إلى:
-
إضعاف أوكرانيا عسكريًا وسياسيًا.
-
تعزيز النفوذ الروسي في شرق أوروبا.
-
ظهور نموذج مشابه لاتفاق «مينسك» الذي انهار سريعًا.
الموقف الأوكراني… غضب مكتوم وارتباك سياسي
الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي أعلن من جنيف أن المشاورات بدأت بالفعل بين الوفد الأوكراني، والجانب الأمريكي، والأوروبيين.
لكن التسريبات الأخيرة تشير إلى صراع داخلي داخل القيادة الأوكرانية بين:
-
جناح يؤيد التعامل مع الخطة لتجنب مزيد من الخسائر.
-
وآخر يرى في الخطة «استسلامًا غير مباشر» لموسكو.
كما عبّر الوفد الأوكراني عن رفضه العلني لثلاث نقاط أساسية:
-
التخلي عن الأراضي.
-
تقليص الجيش.
-
رفع العقوبات عن روسيا.
الموقف الروسي… مراقبة هادئة بانتظار “الانهيار الغربي”
ورغم أن روسيا لم تشارك في اجتماعات جنيف، إلا أن إعلامها الرسمي وصف الخطة الأمريكية بأنها «اعتراف غير مسبوق بالواقع الميداني».
وتشير تحليلات روسية إلى أن موسكو ترى الخطة خطوة إيجابية لأنها:
-
تُكرّس مكاسبها العسكرية.
-
تُضعف الجيش الأوكراني.
-
تُفجّر الخلاف بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
تحليل شامل: ماذا تعني هذه الخطة للمشهد الدولي؟

ترى قراءة الخبراء أن الخطة الأمريكية تعكس التوجه الجديد داخل واشنطن:
تقليل الدعم العسكري لأوكرانيا والانشغال بملفات أكثر أهمية مثل الصين وإسرائيل.
كما تمثل التسريبات:
-
انهيارًا في الثقة بين واشنطن وكييف.
-
بداية صدام أمريكي–أوروبي حول مستقبل الحرب.
-
واعترافًا ضمنيًا بأن استمرار القتال أصبح عبئًا اقتصاديًا وسياسيًا لا يمكن تحمله.
نقطة انعطاف في واحدة من أخطر الحروب الأوروبية
الخطة المسربة ليست مجرد وثيقة؛ إنها نقطة انعطاف في واحدة من أخطر الحروب الأوروبية منذ الحرب العالمية الثانية.
الولايات المتحدة تريد إنهاء الحرب بسرعة.
أوكرانيا تريد الحماية دون التنازل.
أوروبا تخشى أن تخرج من المعادلة خاسرة.
أما روسيا، فهي الطرف الوحيد الذي يبدو مستفيدًا من كل ما يجري.
وبين ذلك كله، تستمر مفاوضات جنيف في أجواء من التوتر العميق… بينما الحرب لا تزال على الأرض تُكتب بالنار.

