انطلاق أعمال مجموعة العشرين لأول مرة على أرض أفريقية واستشراف لمستقبل التكتل الاقتصادي الأكبر عالميًا

انطلقت اليوم في مدينة جوهانسبرغ بجنوب أفريقيا أعمال القمة السنوية لقادة مجموعة العشرين (G20)، في حدث يوصف بأنه تحوّل تاريخي باعتباره أول اجتماع للمجموعة يُعقد على أرض أفريقية منذ تأسيسها قبل أكثر من ربع قرن. وتأتي هذه القمة لتؤكد صعود الدور الأفريقي في الاقتصاد العالمي، وتعكس رغبة متزايدة في إشراك القارة في رسم السياسات الاقتصادية والتنموية الدولية.
وتجري فعاليات القمة في مركز "ناسيريك" للمعارض، أحد أكبر منشآت جنوب أفريقيا، بمساحة تتجاوز 150 ألف متر مربع، حيث يجتمع رؤساء دول وحكومات ووزراء وممثلو أكبر الاقتصادات حول العالم، في اجتماع يستمر يومين، ويختتم عامًا كاملًا من رئاسة جنوب أفريقيا لهذا التكتل المؤثر.
مشاركة إماراتية رفيعة المستوى
ويمثل الشيخ خالد بن محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، دولة الإمارات في أعمال القمة، نيابة عن الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، وذلك تلبية لدعوة رسمية من رئيس جنوب أفريقيا سيريل رامافوزا.
وتعكس المشاركة الإماراتية المستمرة في اجتماعات مجموعة العشرين حضور الدولة المتزايد في الملفات الاقتصادية العالمية، ودورها في مبادرات الطاقة والاستدامة ودعم الاقتصادات الناشئة.

مجموعة العشرين.. من تكتل وُلد بالأزمة إلى اللاعب الأكثر تأثيرًا
تأسست مجموعة العشرين عام 1999 كاجتماع لوزراء المالية ومحافظي البنوك المركزية، قبل أن تتحول إلى اجتماع سنوي لزعماء الدول عام 2008، بعد الأزمة المالية العالمية التي شكّلت نقطة تحول كبرى صعّدت من دور المجموعة بوصفها المنصة الدولية الأهم لمعالجة أزمات الاقتصاد العالمي.
وتضم المجموعة اليوم 19 دولة إضافة إلى الاتحاد الأوروبي، كما انضم إليها الاتحاد الأفريقي رسميًا عام 2023، ليصبح التكتل أكثر تمثيلًا للجنوب العالمي ويمنح القارة الأفريقية صوتًا أكبر في القرارات الاقتصادية الكبرى.
وتُشكّل دول المجموعة مجتمعةً:
-
85% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي
-
75% من حجم التجارة الدولية
-
ثلثي سكان العالم
وهي أرقام تفسّر لماذا تُعتبر G20 اليوم اللاعب الأكبر في رسم السياسات الاقتصادية، وتنسيق جهود النمو، وتحقيق الاستقرار المالي، ومواجهة الأزمات العابر للحدود.
ومن المقرر أن تُسلّم جنوب أفريقيا رئاسة المجموعة رسميًا للولايات المتحدة في 30 نوفمبر 2025.
مشاركة واسعة رغم غياب بعض القادة
ورغم غياب عدد من الشخصيات البارزة عن القمة، فقد أكدت 42 دولة ومؤسسة دولية مشاركتها في الحدث، وهو ما وصفه وزير الخارجية الجنوب أفريقي رونالد لامولا بأنه نجاح لافت لرئاسة بلاده للمجموعة هذا العام.
كما رفعت السلطات الجنوب أفريقية مستوى الإجراءات الأمنية، حيث جرى نشر 3500 ضابط شرطة إضافي لتأمين الوفود المشاركة، في واحدة من أكبر العمليات الأمنية التي تشهدها جوهانسبرغ خلال السنوات الأخيرة.
زعماء وقادة من مختلف أنحاء العالم
وتشهد القمة حضورًا رفيع المستوى من أبرز قادة العالم، بينهم:
-
رئيس الوزراء الصيني لي تشيانغ
-
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون
-
رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي
-
المستشار الألماني فريدريش ميرز
-
رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر
-
الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا
-
رئيسة وزراء إيطاليا جورجيا ميلوني
-
رئيسة وزراء اليابان ساناي تاكايشي
-
رئيس الوزراء الكندي مارك كارني
-
رئيس الوزراء الأسترالي أنتوني ألبانيز
-
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان
كما يشارك في القمة كبار مسؤولي المؤسسات الدولية، وعلى رأسهم:
-
رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي محمود علي يوسف
-
رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين
-
الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش
ما الذي حققته مجموعة العشرين خلال السنوات الماضية؟
منذ الأزمة المالية في 2008 لعبت G20 دورًا محوريًا في:
1. منع انهيار النظام المالي العالمي
من خلال حزم التحفيز والتنسيق بين البنوك المركزية وتوحيد سياسات إنقاذ المؤسسات المالية الكبرى.
2. قيادة الجهود الدولية لمواجهة جائحة كورونا
حيث قدمت دعمًا للدول الفقيرة، وأطلقت مبادرات لتعليق ديون الدول الأشد فقرًا، وساهمت في تسريع تطوير اللقاحات.
3. تعزيز النمو الشامل
عبر مبادرات لدعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وتعزيز الشمول المالي، وخلق فرص العمل.
4. دفع أجندة الطاقة والاستدامة
من خلال مشروعات خاصة بالطاقة النظيفة، وتقليل الانبعاثات، وتمويل التحول الأخضر.
5. دعم الدول النامية
وخاصة بعد انضمام الاتحاد الأفريقي، إذ أصبحت المجموعة أكثر قدرة على تمثيل مصالح الجنوب العالمي.
مستقبل مجموعة العشرين.. تكتل أكثر تأثيرًا أم ساحة صراع بين القوى الكبرى؟
يرى محللون أن مستقبل G20 يعتمد على ثلاثة عوامل رئيسية:
أولًا: التوازن بين الشرق والغرب
مع صعود الصين والهند والبرازيل، تتجه المجموعة لتصبح منصة لإعادة تشكيل ميزان القوى الدولية.
ثانيًا: الدور الأفريقي المتنامي
عقد القمة في جنوب أفريقيا وانضمام الاتحاد الأفريقي يعكسان تحوّلًا كبيرًا في تمثيل القارة، التي تطمح إلى دور أكبر في الملفات الاقتصادية العالمية.
ثالثًا: التحديات العالمية الكبرى
تشمل التغير المناخي، الذكاء الاصطناعي، الأمن الغذائي، التحول الرقمي، الأمن الطاقي، والديون السيادية لدول الجنوب.
ويتوقع أن تتحول المجموعة خلال السنوات المقبلة إلى تكتل أكثر تأثيرًا في صياغة سياسات التنمية المستدامة، ودعم الاقتصادات الناشئة، وتعزيز الشراكات الدولية، خاصة مع انتقال رئاسة المجموعة إلى الولايات المتحدة نهاية هذا العام.
مستقبل الاقتصاد العالمي سيتشكل بدرجة كبيرة على طاولة G20
انعقاد قمة مجموعة العشرين في جوهانسبرغ لا يحمل رمزية جغرافية فقط، بل يعكس إعادة هندسة أدوار وموازين الاقتصاد العالمي. ومع توسع المجموعة وازدياد تأثيرها، يبدو أن مستقبل الاقتصاد العالمي سيتشكل بدرجة كبيرة على طاولة G20 خلال السنوات القادمة.

