«بنات الباشا»… فيلم يغوص في أوجاع نساء طنطا ويكشف الوجه القبيح للمدينة الهادئة من داخل مركز تجميل

في مدينة طنطا، على بُعد 97 كيلومترًا فقط من القاهرة، يختار المخرج محمد العدل أن يفتح بابًا كبيرًا على عالم النساء المخبوء داخل مركز تجميل، ليقدم في فيلمه الجديد «بنات الباشا» لوحة درامية صادمة عن واقع نساء المدينة، وما تحمله حياتهن من أسرار، قبح، اختناقات، وأوجاع لا يشعر بها أحد.
الفيلم، الذي عُرض ضمن مسابقة آفاق السينما العربية بمهرجان القاهرة السينمائي الدولي، يشارك في بطولته نخبة من أبرز الممثلات: صابرين، مريم الخشت، زينة، ناهد السباعي، تارا عبّود، وأحمد مجدي، وبمشاركة النجمة الكبيرة سوسن بدر. وهو مأخوذ عن رواية بنفس الاسم للكاتبة نورا ناجي، وكتب السيناريو والحوار محمد هشام عبية.
طنطا 2017… حزن عام يفتح باب الحزن الخاص: التفجير الذي يسبق الحكايات
مشهد افتتاحي يختزل الوجع

تبدأ الأحداث في عام 2017، بالتزامن مع تفجير كنيسة مارجرجس الشهير، الذي شكّل لحظة ألم هائلة ليس لأهالي طنطا فقط، بل لمصر كلها.
يستخدم المخرج هذا الحدث كنقطة انطلاق رمزية، ليقول للمشاهد إنّ ما سيأتي لاحقًا ليس سوى انفجار آخر، انفجار للمسكوت عنه في حياة نساء تآكلت أرواحهن بصمت.
جثة في حوض الاستحمام… البداية الصادمة التي تكشف كل شيء
منى… أقدم العاملات تواجه الحقيقة المرعبة
تحاول "منى"، التي تجسدها صابرين، الوصول إلى مركز «نور الباشا بيوتي سنتر». الطرق مغلقة، المدينة مضطربة، والحزن يخيم في كل زاوية. وحين تصل، تباغتها صدمة:
نادية، إحدى العاملات بالمركز، غارقة في دمائها داخل حوض الاستحمام.
هذه الجثة ليست مجرد بداية، بل مفتاح لفتح كل الأبواب المغلقة في حياة النساء الأربع اللواتي يجمعهن هذا المكان.
نسوة المركز… أربع قصص ووجع واحد

مع وصول بقية الشخصيات، تبدأ الحبكة في التشعب:
-
نهال… المطربة الشعبية والزائرة الدائمة للمركز
-
جيجي… المديرة التي تحمل أكثر مما تظهر
-
ياسمين… الفتاة السورية التي تبحث عن بداية جديدة
-
منى… عمود المكان والشاهدة على كل شيء
ويصبح مركز التجميل مسرحًا لارتباك كبير، تتداخل فيه الخوف، الصدمة، والبحث عن مخرج.
نور الباشا… الرجل الذي يدير حياة النساء من خلف الستار
تستر، نفوذ، وتحكم في المصائر
تتصل منى بصاحب المركز نور الباشا لإبلاغه بالجريمة، لكنه يطلب:
-
التستر على الحادث
-
الحفاظ على سمعة المكان
-
استخراج تصريح دفن عبر معارفه الواسعة
هكذا يظهر نور الباشا باعتباره محورًا يدور حوله مصير النساء، رجلًا يستغل ضعفهن ليحقق مصالحه وأهدافه.
الفيلم يرسمه كرمز لسلطة اجتماعية ذكورية تتحكم في خيارات النساء بلا رحمة.
الجثة التي تُخرج الحقيقة… كل امرأة تحمل سرًّا موجعًا
تتكشف خلال الأحداث الدوافع النفسية والاجتماعية لكل امرأة، ليكتشف المشاهد:
-
قصص عنف أسري
-
ذكريات استغلال
-
خيبات عاطفية
-
فقر، تجارب هجرة، نزوح، وخسارات
-
هشاشة نساء محاصرات بلا خيارات
وتظهر "نادية" — رغم موتها — كجسر يجمع كل القصص ويوحّد مصائر النساء الأربع.
عندما تغيب المتخصصة في غسل الموتى… يولد الضوء من قلب العتمة
يحاول نور الباشا استكمال عملية التستر، لكن عدم وجود امرأة متخصصة في غسل المتوفيات يقلب خطته رأسًا على عقب.
وهنا يحدث التحول الكبير:
تتوحد النساء، ينكسر الخوف، ويتحوّلن من ضحايا إلى مقاتلات لاستعادة كرامتهن وكرامة نادية.
هذه اللحظة تحمل جوهر الفيلم:
النساء حين يجتمعن… ينتصرن.
صابرين: الفيلم مش تجاري… الفيلم "وجع مكتوب بحرفية"

بعد عرض الفيلم في مهرجان القاهرة السينمائي، قالت الفنانة صابرين التي جسدت دور "منى":
"بدء الموضوع هو الكلمة… الرواية عظيمة جدًا، وسعيدة لأن مؤلفة الرواية رأت فينا الشخصيات التي كتبتها على الورق."
وأضافت:
"الفيلم مش تجاري… الفيلم يحمل عمق وأبعاد كثيرة لكل شخصية، ونجح كاتب السيناريو والمخرج في تقديمها بمنتهى الرقة والصدق."
تصريحات صابرين تلخّص فلسفة العمل: دراما إنسانية قوية، تخاطب الوجع الحقيقي للنساء، لا صراعًا سينمائيًا سطحيًا.
فيلم يحمل صورة مصرية خالصة… مدينة تبدو هادئة لكنها تخفي الكثير
ليس الفيلم مجرد عمل نسوي، بل هو:
-
كشف لواقع اجتماعي صادم
-
قراءة لوجوه لا يراها أحد
-
إضاءة على نساء يعيشْن في الظل
-
شهادة على مدينة تبدو هادئة لكنها تخفي قصصًا ثقيلة
ويأتي ارتباط الأحداث بتفجير الكنيسة ليعطي الفيلم سياقًا سياسيًا واجتماعيًا كبيرًا، يجعل الألم خيطًا يصل بين العام والخاص.
«بنات الباشا» ليس فيلمًا… بل مرآة لوجع نساء مدينة كاملة
يقدّم الفيلم لوحة صادقة تعرّي:
-
الاستغلال
-
العنف
-
الفقر
-
غياب الخيارات
-
هشاشة الوضع الاجتماعي للنساء
ومع ذلك يمنحهن لحظة انتصار في النهاية، لحظة تحرر صغيرة لكنها تعبر عن معنى كبير:
لا أحد يستطيع أن يسلب المرأة كرامتها إذا قررت استعادتها.

