الصباح اليوم
بوابة الصباح اليوم

أسرار السياسة

من «ادفعوا لنا لنحميكم» إلى صفقة الدرعية.. لماذا تعود أمريكا للسعودية الآن؟ وما علاقة ذلك بالتطبيع مع إسرائيل؟

ترامب مع ولي العهد السعودي
تقرير وتحليل -يكتبة صلاح توفيق -

صفقة الدرعية.. عندما يختلط «البيزنس» بالسياسة

تزامن الحديث عن ولاية ثانية للرئيس الأمريكي دونالد ترامب مع تسريبات صحفية عن صفقة عقارية عملاقة بين منظمة ترامب والسعودية، لبناء مشروع يحمل العلامة التجارية لترامب في الدرعية، أحد أضخم مشروعات التطوير العقاري التي تقودها الحكومة السعودية، بتكلفة تقدَّر بنحو 63 مليار دولار

المشروع جزء من رؤية سعودية لتحويل الدرعية إلى وجهة سياحية فاخرة، تحت إشراف مباشر من ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، ما يجعل أي دخول لعلامة «ترامب» على هذا الخط ليس مجرد صفقة عقار، بل جزءًا من شبكة نفوذ متبادلة بين رجل الأعمال–الرئيس، وبين دولة تبحث عن مظلة أمنية وسياسية أمريكية طويلة الأمد.

اللافت أن تحرّكات منظمة ترامب في الدرعية تأتي بالتوازي مع ملفات أخرى يجري التفاوض حولها بين واشنطن والرياض، من بينها اتفاقية أمنية واسعة، وصفقات تسليح ضخمة، واحتمالات تطبيع تدريجي بين السعودية وإسرائيل برعاية أمريكية

العلاقات السعودية الأمريكية.. نفط، سلاح، وأمن مقابل نفوذ

منذ منتصف القرن العشرين تشكّل جوهر العلاقة السعودية–الأمريكية على معادلة بسيطة:

النفط السعودي في مقابل الحماية الأمنية والعسكرية الأمريكية.

اليوم، ورغم تغيّر شكل العالم ومصادر الطاقة، لا تزال السعودية:

  • أكبر مصدّر للنفط الخام في العالم أو من أكبرهم، ولها ثقل حاسم في توازن أسواق الطاقة العالمية.

  • شريكًا تجاريًا رئيسيًا للولايات المتحدة؛ فقد بلغ حجم التجارة السلعية بين البلدين نحو 25.9 مليار دولار في 2024.

  • الزبون الأكبر للسلاح الأمريكي؛ من صفقات أوباما الضخمة، إلى صفقة ترامب التاريخية الأولى عام 2017، وصولًا إلى حزمة دفاعية جديدة في 2025 تقترب قيمتها من 142 مليار دولار، وُصفت بأنها أكبر حزمة تعاون دفاعي في تاريخ الولايات المتحدة.

  • كيف يرى السعوديون زيارة ترامب؟ - BBC News عربي

بالنسبة لأمريكا، لا تمثّل السعودية فقط «آبار نفط»، بل:

  1. بوابة استراتيجية للخليج العربي والبحر الأحمر في مواجهة إيران وروسيا والصين.

  2. مركز ثقل مالي واستثماري يمكنه ضخ مليارات في الاقتصاد الأمريكي عبر الصناديق السيادية وصفقات الطاقة والسلاح والعقار والتكنولوجيا.

  3. شريك محوري في هندسة خريطة التحالفات الجديدة بالشرق الأوسط، وخاصة ملف التطبيع مع إسرائيل.

لماذا تحتاج واشنطن إلى الرياض الآن أكثر من أي وقت مضى؟

تبحث الولايات المتحدة اليوم عن ثلاثة أشياء رئيسية في المنطقة:

  1. ضمان استمرار الدولار في قلب منظومة الطاقة العالمية، في ظل محاولات روسيا والصين الترويج لعملاتهما في التسويات التجارية.

  2. إبقاء الرياض في المعسكر الأمريكي، وعدم ترك فراغ تستغله بكين أو موسكو عبر صفقات تسليح، أو استثمارات ضخمة، أو مشاريع نووية مدنية.

  3. تحقيق اختراق سياسي تاريخي عبر تطبيع سعودي–إسرائيلي يُستخدم كعنوان لانتصار دبلوماسي أمريكي كبير، ويُعاد تسويقه داخليًا وخارجيًا.

لهذا السبب، ترى دوائر صنع القرار في واشنطن أن التطبيع السعودي–الإسرائيلي أصبح «مصلحة قومية أمريكية»، وأن أي اتفاق دفاعي أو نووي مع السعودية سيكون على الأرجح مقايضة كبرى:

أمن أمريكي + سلاح متقدّم + تعاون نووي مدني
مقابل
تطبيع تدريجي مع إسرائيل، وتقييد علاقات الرياض مع الصين وروسيا.

التطبيع مع إسرائيل.. من اتفاقيات أبراهام إلى «الجائزة الكبرى» السعودية

ترامب يصل إلى السعودية في مستهل جولة خليجيه وعينه على عقد صفقات تجارية  وسياسية - تايمز أوف إسرائيل

عام 2020 رعت إدارة ترامب اتفاقيات أبراهام التي فتحت الباب أمام تطبيع الإمارات والبحرين، ولاحقًا دول أخرى، مع إسرائيل.

لكن الجائزة الكبرى في عيون واشنطن وتل أبيب ظلت دائمًا هي السعودية؛ فهي:

  • دولة الحرمين وثقلها الديني والسياسي يجعل أي خطوة تطبيع منها حدثًا مفصليًا في العالم العربي والإسلامي.

  • لاعب رئيسي في ملفات الطاقة والاستثمار، ما يمنح التطبيع بعدًا اقتصاديًا ضخمًا.

تقارير مراكز أبحاث أمريكية أوضحت أن السعودية تطلب، مقابل أي إطار تطبيع مع إسرائيل:

  • ضمانات أمنية أمريكية مكتوبة (اتفاق دفاعي أو ما يشبه الحلف).

  • برنامج نووي مدني بدعم أمريكي.

  • صفقات سلاح متقدّم لا تقل عن تلك التي حصلت عليها الإمارات في إطار اتفاقيات أبراهام

وهنا يدخل ملف مقاتلات إف-35 الشبحية على الخط، باعتباره أحد أهم أدوات الضغط والمقايضة في يد واشنطن وتل أبيب معًا.

إف-35 والتطبيع المشروط.. ماذا تريد إسرائيل من الصفقة مع السعودية؟

رغم أن إسرائيل عارضت تاريخيًا تزويد أي دولة عربية بسلاح نوعي يعادل تفوقها الجوي، فإن مقاربة جديدة ظهرت خلال السنوات الأخيرة:

لا مانع من بيع السلاح المتقدّم إذا كان الثمن تطبيعًا كاملًا واصطفافًا استراتيجيًا مع تل أبيب.

تقارير صحفية حديثة كشفت أن مسؤولين إسرائيليين أبلغوا واشنطن صراحة بضرورة ربط أي صفقة إف-35 مع السعودية بخطوات ملموسة نحو التطبيع، على غرار ما حدث مع الإمارات في 2020.

بهذا الشكل يتحول السلاح إلى:

  • أداة تفاوض سياسية وليست مجرد صفقة تجارية.

  • وسيلة لإحكام شبكة أمنية جديدة تضم إسرائيل ودولًا عربية تحت المظلّة الأمريكية في مواجهة إيران وحلفائها.

وهنا يعود ترامب إلى الواجهة؛ فالرئيس الذي قدّم نفسه كـ«صاحب صفقة القرن» سياسيًا وتجاريًا، يسعى لأن يكون هو أيضًا مهندس الصفقة الكبرى بين الرياض وتل أبيب، مستفيدًا في الوقت نفسه من توسّع أعمال عائلته في مشاريع عقارية سعودية بمليارات الدولارات

السعودية عن تقرير تهديد ترامب لولي العهد: يحمل تشويهًا لمضمون ونبرة  المكالمة - CNN Arabic

ترامب و«ادفعوا لنا لنحميكم».. من الشعار إلى الواقع

خلال ولايته الأولى، لم يُخفِ ترامب فلسفته في التعامل مع حلفاء الخليج:

الحماية الأمريكية ليست مجانًا، وعلى الدول أن «تدفع» مقابل الأمن الذي توفره واشنطن.

ترجمت هذه الرؤية نفسها في:

  • صفقات السلاح القياسية التي وُقّعت مع السعودية، والتي أعلن عنها ترامب في زيارته للرياض، وبلغت قيمتها المعلنة أكثر من 110 مليارات دولار فورًا، و350 مليارًا على مدى عشر سنوات، قبل أن تتطور لاحقًا إلى حزم دفاعية جديدة في 2025 بقيمة تقارب 142 مليار دولار

  • توسّع استثمارات القطاع الخاص الأمريكي، وعلى رأسه منظمة ترامب، في مشاريع سعودية ضخمة تشمل جدة والرياض والدرعية، ضمن رؤية سعودية لتحويل البلاد إلى مركز سياحة واستثمار عالمي

بهذا المعنى، تبدو صفقة الدرعية العقارية امتدادًا لفلسفة «ادفعوا لنا لنحميكم»، ولكن في صورة أكثر نعومة:

  • حماية أمريكية واتفاقيات أمنية وصفقات سلاح،

  • مقابل استثمارات سعودية ضخمة في الاقتصاد الأمريكي وعلاماته التجارية، ودور سياسي يريده ترامب عنوانًا لإرثه التاريخي في الشرق الأوسط.

لماذا تسعى أمريكا إلى السعودية الآن؟ قراءة في المشهد الأكبر

  1. منافسة الصين وروسيا:

    • الصين تتوسع عبر «الحزام والطريق» والاستثمارات ومبيعات السلاح والطاقة.

    • روسيا حاضرة في ملفات النفط (أوبك+) والسلاح والملف النووي الإيراني.
      تريد واشنطن أن تضمن بقاء السعودية ضمن الفلك الأمريكي، لا باعتبارها حليفًا عاديًا، بل كـ«ركيزة» للنظام الإقليمي الذي تصوغه من جديد.

    • رائعان وسيفعلان أي شيء

  2. إعادة تعريف دور إسرائيل في المنطقة:

    • التطبيع السعودي–الإسرائيلي سيكرّس إسرائيل لاعبًا علنيًا في تحالف أمني عربي–أمريكي.

    • هذا يعطي واشنطن منصة موحّدة لمواجهة إيران ويقلل اعتمادها المباشر على التدخل العسكري.

  3. أزمة الشرعية الداخلية لترامب / أي إدارة أمريكية مقبلة:

    • تحقيق اختراق تاريخي مع السعودية يمنح أي رئيس أمريكي «نصرًا خارجيًا» يوظفه داخليًا.

    • صفقات السلاح والعقار والاستثمار تخلق وظائف وأموالًا يمكن استخدامها سياسيًا في الخطاب الداخلي الأمريكي.

في الخلفية.. من يستفيد أكثر؟

  • السعودية تحصل على:

    • ضمانات أمنية وسلاح متقدّم،

    • حضور سياسي عالمي أوسع،

    • مشاريع تنويع اقتصادي وسياحي عملاقة تدعم «رؤية 2030».

  • الولايات المتحدة تحافظ على:

    • نفوذها في الخليج وأسواق الطاقة،

    • مليارات الدولارات من صفقات السلاح والعقار والتكنولوجيا،

    • دور «الوسيط الأوحد» في ترتيبات التطبيع مع إسرائيل.

  • إسرائيل تسعى إلى:

    • كسر الحاجز الرمزي الأكبر في التطبيع العربي،

    • إدماج أمنها القومي في منظومة إقليمية برعاية أمريكية،

    • الحصول على ضمانات إضافية من واشنطن إذا ما تمت صفقة إف-35 مع الرياض.

في النهاية، ليست صفقة الدرعية مجرد مشروع عقاري يحمل اسم ترامب، بل عنوانًا جديدًا لتحالف أوسع:
تحالف يتقاطع فيه المال والسلاح والسياسة والتطبيع، في لحظة يعاد فيها رسم خريطة الشرق الأوسط تحت تأثير النفط والنووي والطائرات الشبحية، وكل ذلك على وقع سؤال واحد:

من سيدفع؟ ومن سيحمي من؟ ومن يكتب رواية التاريخ الجديدة للمنطقة؟