الاحتلال الإسرائيلي يسرق 17 ألف قطعة أثرية من متحف قصر الباشا في غزة

حين تتحول الحرب إلى معول لطمس التاريخ
لم تقتصر حرب الإبادة التي يشنّها الاحتلال الإسرائيلي على غزة على استهداف البشر والحجر، بل امتدت لتطال ذاكرة الشعوب وتراثها الحضاري.
ففي جريمة جديدة ضد التاريخ، كشفت مصادر فلسطينية رسمية عن سرقة الاحتلال الإسرائيلي أكثر من 17 ألف قطعة أثرية من متحف قصر الباشا في مدينة غزة، أحد أهم المعالم الأثرية في فلسطين، بعد تدميره بشكل كامل.
هذه الجريمة تعيد إلى الذاكرة ما قاله خبراء مصريون ومؤرخون في وقت سابق حول تورط إسرائيل في سرقة آثار مصرية عبر عقود طويلة، مستغلة الفوضى والصراعات وتجارة الآثار غير المشروعة لتهريب قطع فرعونية نادرة إلى تل أبيب ومنها إلى متاحف عالمية.
قصر الباشا.. كنزٌ حضاري استهدفه الاحتلال عمدًا

تحفة معمارية أُبيدت بالكامل
قال الدكتور حمودة الدهدار، المشرف على ترميم قصر الباشا الأثري، إن الاحتلال تعمد تدمير المتحف ومقتنياته خلال اجتياحه غزة، مؤكدًا:
-
المبنى كان تحفة معمارية ذات قيمة تاريخية عالية
-
يضم مقتنيات تمتد من العصر المملوكي والعثماني إلى الروماني والبيزنطي وما قبل التاريخ
-
الطواقم المختصة لم تعثر بعد التنقيب سوى على 20 قطعة فقط
-
أكثر من 17 ألف قطعة أثرية اختفت بالكامل
الدهدار وجّه اتهامًا مباشرًا للاحتلال وأعوانه بعملية النهب، مؤكدًا أن الجريمة تمت بنية مسبقة لطمس الهوية الفلسطينية ومصادرة رواية التاريخ.
اليونسكو توثق الجريمة.. سجل أسود ضد التراث الإنساني
وفقًا لليونسكو:
-
تم توثيق 114 موقعًا أثريًا دمّرها الاحتلال في غزة
وفي المقابل، أحصت المؤسسات الرسمية الفلسطينية: -
تدمير 226 موقعًا تراثيًا بالكامل أو بشكل جزئي
هذه الأرقام تؤكد أن استهداف التراث ليس حادثًا عابرًا، بل سياسة ممنهجة تهدف لطمس الذاكرة التاريخية للشعب الفلسطيني.
جرائم الاحتلال ضد التراث ليست جديدة.. والسرقة تمتد إلى الآثار المصرية
خبراء مصريون: إسرائيل ضالعة منذ عقود في تهريب آثار فرعونية

في تقارير سابقة لعلماء آثار مصريين ووزارة السياحة والآثار، تم التأكيد أن إسرائيل لعبت دورًا بارزًا في تجارة الآثار المصرية المنهوبة خلال فترات:
-
الاحتلال الإسرائيلي لشبه جزيرة سيناء (1967–1982)
-
تهريب آثار من صعيد مصر عبر تجار وسماسرة
-
نقل قطع فرعونية نادرة إلى تل أبيب ومنها إلى متاحف أجنبية
ومن أبرز الوقائع التي كشفها خبراء مصريون:
1. اختفاء ممتلكات أثرية من سيناء خلال الاحتلال
تم الإعلان رسميًا بعد التحرير عن فقدان عشرات القطع الأثرية التي سرقها الجيش الإسرائيلي من مواقع عدة بينها:
-
معبد سرابيط الخادم
-
مواقع أثرية قرب جبل المغارة
-
مخازن بعثات أجنبية في سيناء
2. ظهور آثار مصرية في متحف إسرائيل
وثّقت جهات مصرية ودولية وجود قطع فرعونية معروضة في متحف إسرائيل دون أي سند ملكية أو وثيقة نقل رسمية.
هذه القطع—وفق خبراء—خرجت من مصر بطرق غير مشروعة وتم الحصول عليها عبر تجار آثار وسماسرة يعمل بعضهم لصالح الاحتلال.
3. عمليات تهريب عبر الحدود الشرقية
في مطلع الألفية، ضبطت السلطات المصرية محاولات لتهريب آثار فرعونية عبر معابر حدودية، وذكرت لاحقًا أن هذه الشبكات لها صلة بجهات إسرائيلية تعمل داخل الأراضي المحتلة.
4. قطع نادرة ظهرت في المزادات العالمية عبر دور إسرائيلية
بعض المزادات في أوروبا كانت تعرض قطعًا قادمة من “تجار إسرائيليين”، بينها:
-
تماثيل صغيرة من عصر الدولة الوسطى
-
أواني كانوبية
-
نقوش حجرية
-
برديات فرعونية
كل هذه الوقائع تؤكد أن الاحتلال يتعامل مع الآثار العربية كغنيمة حرب ومورد اقتصادي.
قصر الباشا.. تاريخ من 700 عام يُنهب في ساعات
القصر الذي بُني في العصر المملوكي كان:
-
مقرًا للحكام عبر العصور
-
شاهدًا على حقبات فلسطينية متعاقبة
-
يضم قطعًا فريدة لا تقدر بثمن
واليوم… لا يبقى منه سوى الركام.
أما مقتنياته، فإما دُمّرت، أو—وفق الاتهامات الفلسطينية—نُقلت إلى داخل إسرائيل على غرار ما حدث للتراث المصري في سيناء سابقًا.

لماذا يسرق الاحتلال الآثار؟
بحسب خبراء التراث الدولي، أهداف الاحتلال من سرقة التراث تشمل:
-
طمس الهوية الفلسطينية
-
تزوير التاريخ لصالح روايته الاستعمارية
-
بيع القطع في السوق السوداء
-
تغذية المتاحف الإسرائيلية بقطع عربية
-
محاولة نسب حضارات المنطقة إلى روايات توراتية مزيفة
وهي ذات الأسباب التي دفعت إسرائيل في الستينيات والسبعينيات لنهب آثار سيناء ومواقع مصرية قديمة.
نهب التراث جريمة لا تسقط بالتقادم
سرقة 17 ألف قطعة أثرية من غزة ليست حدثًا منفصلًا، بل حلقة جديدة في سجل طويل من جرائم الاحتلال ضد التراث العربي، من نهب آثار سيناء، إلى سرقة مقتنيات قصر الباشا، إلى تدمير عشرات المواقع التاريخية.
ويبقى السؤال:
متى تتحرك الجهات الدولية لإجبار الاحتلال على إعادة ما سرقه منذ عقود؟
ومتى يُحاسب المسؤولون عن سرقة حضارات عمرها آلاف السنين؟

