النظام الطائفي والمحاصصة في العراق.. عقدة تشكيل الحكومات ومأزق «الكتلة الأكبر»

عراق ما بعد الانتخابات.. دولة تعيش في ظل معادلة الطوائف والتحالفات المتغيّرة
لا تزال الخريطة السياسية في العراق تتحرك كما لو أنها رقعة شطرنج طائفية ومحاصصاتية تعيد ترتيب قطعها بعد كل انتخابات. وفي كل دورة انتخابية جديدة، تتكرّر ذات المشاهد:
صراع على مقاعد، سباق محموم لتشكيل التحالفات، شد وجذب بين القوى الشيعية والسنية والكردية، وسباق نحو تشكيل "الكتلة الأكبر" التي تتحوّل إلى اللاعب الأخطر في رسم ملامح الحكومة المقبلة.
ومع إعلان نتائج انتخابات 2025، عاد العراق إلى دوامة الجدل نفسها… بل وبصورة أكثر تعقيدًا، نتيجة تعاظم تأثيرات النظام الطائفي، وتوسع نفوذ القوى المتصارعة، وتزايد التدخلات الإقليمية.
ما بعد إعلان النتائج.. بداية معركة تشكيل الحكومة

انطلاق سباق الكتل: تحالفات تتشكل قبل جفاف الحبر الانتخابي
فور انتهاء التصويت، اندفعت الكتل السياسية العراقية نحو سباق محموم للفوز بمواقع متقدمة في معركة تشكيل الحكومة.
أبرز هذه الكتل:
-
الإطار التنسيقي الذي خاض الانتخابات بتكتيك “التفرّق انتخابيًا والعودة إلى الإجماع الشيعي”.
-
تحالف الإعمار والتنمية بزعامة السوداني.
-
ائتلاف دولة القانون بزعامة المالكي.
وتشير النتائج الأولية إلى:
-
تحالف السوداني: 46 مقعدًا
-
ائتلاف المالكي: 29 مقعدًا
-
تحالف تقدّم: 29 مقعدًا
لكن… في نظام المحاصصة العراقية، الأرقام لا تعني شيئًا وحدها، فالكتلة الأكبر تُحسم خلف الأبواب المغلقة وليس في صناديق الاقتراع.
الطائفية والمحاصصة.. النظام الذي يعيد إنتاج الأزمة ذاتها

منذ 2003: الدولة تُدار بمعادلة "شيعي – سني – كردي"
توزيع السلطات في العراق بُني على نظام واضح:
-
رئيس الوزراء: شيعي
-
رئيس البرلمان: سني
-
رئيس الجمهورية: كردي
وهذا النظام الذي نشأ بدافع “التوافق” أصبح اليوم قيدًا سياسيًا يعطل تشكيل الحكومات ويحوّل كل انتخابات إلى معركة بقاء طائفية.
فكل منصب رفيع يرتبط بـ حصة قومية أو مذهبية، وكل قرار يحتاج إلى “ترضيات” وتحالفات هشة قد تنفجر في أي لحظة.
مراحل تشكيل الحكومة.. طريق طويل مليء بالعراقيل
المرحلة الأولى: الطعون والمصادقة القضائية
الخبير القانوني حميد العبادي أوضح أن أمام المرشحين 3 أيام للطعن بالنتائج، وتتولى لجنة قضائية خاصة النظر خلال 10 أيام، قبل رفع النتائج للمحكمة الاتحادية للمصادقة.
عادة ما تنتهي هذه المرحلة خلال 10–15 يومًا.
المرحلة الثانية: الجلسة الأولى للبرلمان
بعد المصادقة:
-
رئيس الجمهورية يملك 15 يومًا للدعوة إلى انعقاد الجلسة الأولى.
-
يرأس الجلسة النائب الأكبر سنًا.
-
يتم انتخاب:
-
رئيس البرلمان (سُنّي)
-
النائب الأول (شيعي)
-
النائب الثاني (كردي)
-
وهي أول خطوة تكشف حجم تأثير الطائفية في توزيع المواقع.
المرحلة الثالثة: انتخاب رئيس الجمهورية
-
انتخاب الرئيس يحتاج أغلبية الثلثين (220 صوتًا).
-
في حال عدم اكتمال الأغلبية تُجرى جولة ثانية بين أعلى مرشحين.
-
وفق الأعراف السياسية: المنصب “كردي”.
-
بعد انتخابه: يكلف الرئيس الكتلة الأكبر بتقديم مرشحها لرئاسة الوزراء.
وهنا تبدأ أقسى معارك العملية السياسية.
المرحلة الرابعة: تشكيل الحكومة – عقدة العقد
بعد التكليف، يملك رئيس الوزراء المكلّف 30 يومًا لتقديم تشكيلته الوزارية.
لكن في العراق…
30 يومًا قد تتحول إلى 300 يوم بسبب صراع المحاصصة، والمطالبات، وتوزيع الوزارات السيادية.
أزمات متوقعة.. لماذا قد يتكرر سيناريو 2021؟

باحث سياسي: “ما يحدث ينذر بتأخير طويل جدًا”
الباحث جليل العوادي يرى أن التنافس الحاد بين القوى ووجود نفوذ إقليمي قوي يعطل تشكيل الحكومة، خصوصًا في ملف اختيار رئيس الوزراء.
كما أن “الكتلة الأكبر” هي العقدة التي ستعيد خلط الأوراق، وقد تتغير التحالفات حتى اللحظات الأخيرة قبل المصادقة النهائية.
الولاية الثانية للسوداني.. محور الخلاف داخل البيت الشيعي
المالكي يعارض.. والسوداني يتمسك بشرعيته الانتخابية
قيادي بارز في ائتلاف السوداني كشف أن:
-
ائتلاف دولة القانون يسعى لإيقاف تجديد ولاية السوداني.
-
المالكي يطمح لاستعادة نفوذه داخل مؤسسات الدولة.
-
السوداني يتحرك نحو بناء تحالف عابر للطوائف لتأمين “ثلث ضامن”.
كما أكد القيادي أن السوداني سيزور أربيل لفتح قنوات تفاوض مع القوى الكردية حول تشكيل الحكومة.
تحركات سرية وجولات تفاوض خلف الكواليس
اجتماعات مغلقة.. رسائل متبادلة.. ومشهد سياسي متوتر
وفق مصادر سياسية:
-
اجتماعات تجري بين قيادات ائتلاف السوداني وائتلاف المالكي.
-
تفاهمات أولية تُطرح حول المناصب السيادية.
-
إعادة تموضع محتملة لعدد من القوى خلال الأسابيع المقبلة.
-
الكتلة الأكبر ما تزال غير محسومة بشكل كامل.
وبين الضغوط الإقليمية والمصالح الداخلية، تبدو المرحلة المقبلة مفتوحة على كل السيناريوهات.
خاتمة: العراق في دائرة مفرغة من التعقيدات السياسية
النظام الطائفي والمحاصصة في العراق لم يعد إطارًا تنظيميًا بقدر ما أصبح عقبة هيكلية تقف أمام أي محاولة لتشكيل حكومة مستقرة.
ومع استمرار الجدل حول الكتلة الأكبر، والخلافات داخل البيت الشيعي، وتأثير القوى الإقليمية، يبدو أن العراق مقبل على مرحلة طويلة من التفاوض والمساومات قبل الوصول إلى حكومة جديدة.
ويبقى السؤال الأهم:
هل يمكن للعراق تجاوز نظام المحاصصة الطائفية يومًا ما؟ أم أن هذا النظام أصبح قدرًا سياسيًا لا يمكن الفكاك منه؟

