ترامب يفتح النار على عمدة لندن صادق خان: اتهامات بالتقاعس وتسامح مع الجريمة

في مشهد سياسي يعكس عمق الانقسام الغربي، فجّر الرئيس الأمريكي الأسبق دونالد ترامب موجة جديدة من الجدل، بعد هجومه اللاذع على عمدة لندن صادق خان، متهمًا إياه بالفشل في إدارة مدينة الضباب و"غضّ الطرف" عن ارتفاع معدلات الجريمة، الأمر الذي أعاد إلى الواجهة النقاش المحتدم حول الأمن والهجرة في العاصمة البريطانية.
جاءت تصريحات ترامب الصادمة خلال مقابلة مطوّلة على قناة GB News، حيث كشف عن استيائه الشديد من الوضع الأمني في لندن، ووجّه اتهامات مباشرة وصريحة للعمدة خان، مستخدمًا كلمات وُصفت بأنها الأقسى منذ سنوات، حين قال:
"إنه رجل مقزز يتسامح مع الجريمة، وفي لندن اليوم يستطيع أي شخص أن يتعرض لهجوم بسكين أو ما هو أسوأ."
ترامب: لندن تغيّرت.. ووالدتي كانت تحبها كما كانت
استحضر ترامب ذكرياتٍ شخصية، مشيرًا إلى أن والدته كانت تكنّ حبًا عميقًا للعاصمة البريطانية، لكنه شدد على أن "لندن اليوم ليست لندن الأمس"، معتبرًا أن الصعود الإجرامي في بعض المناطق وصل إلى مستويات غير مسبوقة.
وأضاف أن هناك مناطق في لندن – وكذلك باريس – أصبحت الشرطة لا ترغب حتى في الاقتراب منها، في إشارة واضحة إلى ما يعتبره ترامب فشلًا أمنيًا ناتجًا عن سياسات خان.

هجوم سابق: "تطبيق الشريعة الإسلامية" في لندن
لم تكن هذه المرة الأولى التي يهاجم فيها ترامب عمدة لندن. ففي كلمة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر الماضي، شن الرئيس الأمريكي السابق هجومًا على سياسات الهجرة في أوروبا عامةً وفي بريطانيا خصوصًا، مؤكدًا أن "لندن تريد التحول إلى الشريعة الإسلامية" – على حدّ زعمه – في تلميح مباشر إلى التغير الديموغرافي وارتفاع أعداد المسلمين في المدينة.
وهو تصريح كان كفيلًا بإشعال موجة غضب واسعة داخل المملكة المتحدة، لما حمله من إيحاءات عنصرية وربط غير مباشر بين المسلمين وتهديد الأمن.
رد سلطات لندن: اتهامات مبنية على تضليل
سلطات لندن سارعت بالرد، مؤكدة أن تصريحات ترامب "تضليلية" وتهدف فقط إلى تأجيج مشاعر اليمين المتطرف. ونفت الشرطة البريطانية وجود مناطق "محظورة" أو "خطرة" كما يصفها ترامب، مشددة على أن لندن تبقى إحدى أكثر المدن أمنًا في أوروبا رغم تحدياتها.
كما أكدت حكومة سابقة أن تصريحات ترامب حول "تطبيق الشريعة" لا تستند لأي أساس واقعي، وأن القوانين البريطانية واحدة على الجميع ولا يمكن لأي جهة – مهما كانت – تغيير طبيعة الدولة المدنية الديمقراطية.
تسريبات من بوليتيكو: داونينغ ستريت في حالة يُرثى لها
وفي سياق آخر يلامس الأزمة السياسية داخل بريطانيا، كشفت صحيفة بوليتيكو أن مقر رئاسة الوزراء في داونينغ ستريت يعاني وضعًا مأساويًا؛ روائح كريهة، مشاكل في التدفئة، وفئران تتجول في الطابق السفلي.
ورغم أن هذا التقرير لم يكن موجّهًا لصادق خان، إلا أن ترامب استثمره ليشير إلى "حالة الانهيار في مؤسسات الحكم البريطانية".
عمدة لندن يرد: ترامب يغذي اليمين المتطرف
لم يتأخر صادق خان في الرد على اتهامات ترامب، معتبرًا أن الرئيس الأمريكي السابق يستغل المنابر الإعلامية للتحريض على الانقسام وتعزيز خطاب اليمين المتطرف.
وقال خان إن "مواجهة هذا النوع من الخطاب تتطلب وحدة دولية"، مشددًا على أن مستقبل المدن الكبرى يعتمد على التعاون وليس الصدام.
من هو صادق خان؟ نبذة موسعة عن أول مسلم يتولى منصب عمدة لندن
يعتبر صادق خان أحد أبرز الشخصيات السياسية في بريطانيا. ولد في لندن عام 1970 لأبوين باكستانيين مهاجرين. نشأ في بيئة بسيطة؛ والده كان سائق حافلة، ووالدته كانت تعمل في الخياطة.
محطات مهمة في حياته ومسيرته:
-
محامٍ متخصص في حقوق الإنسان قبل دخوله السياسة.
-
انضم لحزب العمال البريطاني، وصعد تدريجيًا عبر المناصب.
-
شغل مقعدًا في البرلمان البريطاني ممثلًا عن منطقة توتينغ.
-
في عام 2016، حطّم كل التوقعات ليصبح أول بريطاني مسلم يتولى منصب عمدة مدينة لندن.
-
أعيد انتخابه لولاية ثانية بفضل وعوده المتعلقة بتحسين النقل العام ومكافحة الجريمة وتطوير الإسكان.
صادق خان أصبح رمزًا عالميًا للتنوع الثقافي والتعايش في الغرب، لكنه أيضًا هدف دائم لانتقادات اليمين البريطاني والأمريكي.
تحليل سياسي: هل الهجوم على خان مجرد خلاف شخصي أم جزء من إستراتيجية ترامب؟
يرى محللون أن تصريح ترامب ليس حادثًا عابرًا، بل يأتي في إطار حملته لإعادة بناء قاعدة اليمين الشعبوي، واعتماد خطاب متشدد ضد الهجرة والإسلام السياسي.
كما أن استهداف خان – وهو مسلم من أصول مهاجرة – يحمل رمزية كبيرة تخدم خطابًا سياسيًا محددًا يقوم على التخويف من "الآخر".
هل تؤثر هذه التصريحات على لندن؟
من غير المرجح أن تغيّر تصريحات ترامب مسار السياسة الداخلية البريطانية، لكنها تساهم في تعزيز الصورة النمطية حول لندن كمدينة "خطرة"، وهو ما ترفضه بشدة السلطات البريطانية.
في المقابل، قد تمنح هذه الهجمات صادق خان دعمًا إضافيًا من قواعده التي ترى أنه صامد أمام ما تصفه بـ"العنصرية المقنّعة".
الهجوم جزء من صراع أوسع بين رؤيتين للعالم
تصريحات ترامب الأخيرة ليست فقط هجومًا سياسيًا، بل جزء من صراع أوسع بين رؤيتين للعالم:
رؤية تقوم على الانفتاح والتعددية تمثلها لندن الحديثة، ورؤية قومية متشددة يسعى ترامب لإحيائها.
وبين هذا وذاك، تبقى لندن مدينة عالمية تواجه تحدياتها، لكنها لا تزال – رغم الانتقادات – أحد أهم المراكز الحضارية والاقتصادية في العالم.

