الصباح اليوم
بوابة الصباح اليوم

أسرار السياسة

نرمين نبيل تكتب : فرنسا بين لمعان الجمال وغياب الأمان مشهد سياحي مقلق

الكاتبة الصحفية -نيرمين نبيل
-

رغم أن فرنسا مازالت تتصدر قائمة الوجهات السياحية الأكثر جذبًا في العالم بما تحمله من إرث حضاري وفني يجعلها مقصدًا يحلم به الملايين إلا أن واقع الشوارع الفرنسية اليوم يكشف جانبًا آخر لا يقل حضورًا وهو شعور متزايد بانعدام الأمان وانتشار واضح لعمليات النشل والسرقة في الأماكن العامة
هذا الشعور بات يرافق السائح منذ لحظة وصوله ويؤثر بشكل مباشر على تجربته التي كان يفترض أن تكون مليئة بالمتعة والاكتشاف
في المقاهي المفتوحة وعلى الأرصفة القريبة من المتاحف الشهيرة وحتى داخل وسائل النقل العام يعيش الزائر حالة يقظة مستمرة فبدلًا من الاستغراق في تفاصيل المدينة وسحرها يجد نفسه ينظر باستمرار إلى حقيبته وهاتفه ومحفظته ويعيد ترتيب أغراضه خوفًا من ضياع شيء

بيئة مثالية لعمليات النشل المنظمة

الازدحام الكبير الذي تتميز به باريس وبقية المدن السياحية أصبح بيئة مثالية لعمليات النشل المنظمة التي تستغل كل لحظة تشتت أو انشغال بالسياحة
اللافت أن التحذيرات لم تعد مقتصرة على أجهزة الأمن ولا على اللوحات الإرشادية بل أصبحت تأتي من السكان المحليين أنفسهم وفي مشهد متكرر تكاد لا تجلس سائحة في مقهى دون أن تقترب منها سيدة فرنسية لتنبهها خدي بالك من شنطتك وما تسيبيش الموبايل على الترابيزة
هذا السلوك يكشف عن إدراك مجتمعي بأن الظاهرة أصبحت جزءًا من الحياة اليومية وليست حالات فردية
وليس الأمر مقتصرًا على فرنسا فقط فظاهرة غياب الأمان باتت منتشرة في مدن أوروبية عديدة وأصبح السائح مهددًا في أكثر من وجهة
وقد تعرضت شخصيًا للسرقة العام الماضي أثناء زيارتي لبرشلونة حيث تمت سرقة هاتفي من جيب الجاكت أثناء عبوري الإشارة ورغم أني تمكنت من تحديد موقع الهاتف عن طريق التتبع من هاتفي الآخر إلا أن الشرطة لم تستطع مساعدتي بحجة أنها ممنوع عليها دخول المنازل حتى لو كان بداخلها سارق ومسروقات
هذا الموقف يعكس واقعًا أكبر يتمثل في تقيد الأجهزة الأمنية بقوانين تجعل التدخل الفوري صعبًا وتسمح بانتشار الظاهرة دون ردع حقيقي

حجم السياحة الضخم الذي يجعل الزائر هدفًا سهلًا للمجموعات المنظمة

أسباب انتشار النشل في أوروبا كثيرة ومتداخلة منها حجم السياحة الضخم الذي يجعل الزائر هدفًا سهلًا للمجموعات المنظمة ومنها مهارة الشبكات التي تعمل في صمت مستغلة الزحام ومنها أيضًا تساهل القوانين مع الجرائم الصغيرة مما يؤدي غالبًا إلى الإفراج السريع عن المتورطين دون عقوبات رادعة بالإضافة إلى عوامل اجتماعية واقتصادية تغذي هذا النوع من الجرائم
كل هذه الظروف صنعت مشهدًا جديدًا يفرض نفسه بقوة ويجعل السائح في حالة توتر تمنعه من الاستمتاع الكامل بالرحلة
ورغم أن أوروبا مازالت تحتفظ بجاذبيتها وسحرها وثقافتها العريقة إلا أن تضخم ظاهرة النشل أصبح يضغط على صورتها كقارة آمنة للزيارة ويزيد من مسؤولية الحكومات تجاه حماية السائح

الصورة تهتز تدريجيًا أمام واقع يشعر فيه السائح أنه بحاجة لحراسة ممتلكاته

فالصورة التي بنتها فرنسا وغيرها من الدول الأوروبية عبر عقود كعواصم هادئة تستقبل الزوار بالمقاهي والفنون تهتز تدريجيًا أمام واقع يشعر فيه السائح أنه بحاجة لحراسة ممتلكاته أكثر من التقاط الصور
تبقى فرنسا وأوروبا عامة مناطق غنية بالجمال والتاريخ لكنها اليوم بحاجة إلى تدابير أمنية أقوى تحافظ على تجربة الزائر وتعيد الشعور بالثقة
فالجمال قد يجذب المسافر أما الأمان فهو الذي يضمن له رحلة لا تنسى