شائعة اغتيال حميدتي بطائرة بيرقدار تُشعل وسائل التواصل.. تحقيق موسّع في خلفيات الإشاعة وأهدافها

تصدّر خبر “اغتيال قائد مليشيات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي) بطائرة تركية مسيّرة من طراز بيرقدار”، مساء الجمعة، واجهة منصّات التواصل الاجتماعي، بعدما تداولته حسابات عربية وأجنبية على نطاق واسع، بينما نُسب الخبر إلى قناة RTE دون أن تقدّم القناة أي توثيق أو تغطية رسمية. وفي الوقت الذي انتظر فيه الرأي العام السوداني والدولي تأكيدًا رسميًا، لم يصدر أي إعلان من الجيش السوداني، أو قوات الدعم السريع، أو أي وكالة أنباء دولية كبرى، مثل رويترز أو فرانس برس أو أسوشييتد برس، لتأكيد أو نفي وقوع عملية اغتيال من هذا النوع.
وبناءً على ذلك، تتعامل الجهات الإعلامية حتى الآن مع الواقعة باعتبارها شائعة منظمة تحمل رسائل سياسية وعسكرية، وتفتح الباب أمام تساؤلات عميقة حول دوافعها وأهدافها، خاصة في ظل الحرب الأكثر دموية منذ استقلال السودان.
كيف بدأت الشائعة؟.. رصد أولي لانتشارها
بدأت القصة عندما نشرت حسابات غير موثقة على مواقع التواصل الاجتماعي “خبرًا عاجلًا” يفيد بمقتل حميدتي بضربة جوية دقيقة لطائرة بيرقدار. وسرعان ما أعادت صفحات سياسية وأخرى محسوبة على أطراف سودانية تداول الخبر، قبل أن يتم تضخيمه وإعادة نشره على نطاق واسع.
ورغم نسب الخبر لقناة RTE، لم تنشر القناة أي بيان رسمي. كما لم تظهر على موجزات الأخبار في المنصات العالمية أي إشارة توحي بأن حدثًا بهذا الحجم قد وقع بالفعل.
هذا الفراغ في المعلومات الرسمية ساهم في تغذية الجدل، خصوصًا أن حميدتي كان محور شائعات مشابهة في السابق، نفى بعضها بنفسه عبر تسجيلات صوتية.
لماذا حميدتي؟ ولماذا الآن؟
يُعد محمد حمدان دقلو، المعروف بـ"حميدتي"، أحد أبرز اللاعبين العسكريين في السودان، وقائد أكبر قوة شبه نظامية في القارة الأفريقية. فمنذ اندلاع الحرب في أبريل 2023 بين قوات الدعم السريع التي يقودها والجيش السوداني بقيادة الفريق عبد الفتاح البرهان، أصبح حميدتي رمزًا لقوة عسكرية مستقلة ذات نفوذ هائل داخل البلاد وخارجها.
وتاريخ حميدتي مع الإشاعات ليس جديدًا. ففي سبتمبر 2023، أكد مسؤولون من الدعم السريع أن “أنباء مقتل حميدتي مجرد شائعات يطلقها خصومه السياسيون”، مشيرين إلى أنه “يقود العمليات الدبلوماسية والعسكرية بنفسه".
لذلك، فإن أي خبر عن اغتياله – حقيقيًا كان أو ملفقًا – يمتلك القدرة على إحداث صدمة سياسية وعسكرية داخل السودان.
الأهداف المحتملة خلف نشر الشائعة
يرى محللون أن انتشار هذه الشائعة لم يكن عشوائيًا، بل يحمل عدة أهداف:
1. إرباك قوات الدعم السريع
قوات الدعم السريع تعتمد في هيكليتها على شخصية حميدتي مركزًا للقرار والولاء. وبالتالي، فإن مجرد الترويج لاغتياله قد يؤدي إلى:
-
ارتباك داخل القيادة العسكرية.
-
تراجع المعنويات.
-
تسريع الانشقاقات أو الهروب الجماعي.
2. رفع معنويات الجيش السوداني
الخصومة بين الجيش والدعم السريع هي صراع وجودي، لذلك فإن إعلان مقتل حميدتي – حتى لو كان غير صحيح – قد يستخدم:
-
لتعزيز الروح المعنوية داخل الجيش.
-
لخلق شعور بتقدّم ميداني كبير.
-
لتأثير نفسي ضد الخصم.
3. زيادة الضغط السياسي داخل السودان
قد تستغل أطراف سياسية داخلية الشائعة لإعادة تشكيل تحالفات أو لتمرير مبادرات جديدة، خصوصًا في ظل حالة الارتباك التي تعيشها البلاد.
4. توجيه الأنظار دوليًا
نشر خبر اغتيال شخصية بحجم حميدتي من شأنه دفع المجتمع الدولي إلى إعادة النظر في دوره في السودان، وربما زيادة الضغط على الأطراف المتصارعة للدخول في مفاوضات.
![]()
لماذا طائرة بيرقدار؟.. رسالة شديدة الحساسية
تُعتبر طائرات بيرقدار TB2 التركية من أقوى المسيّرات العسكرية انتشارًا عالميًا، وقد استخدمتها عدة جيوش في عمليات دقيقة. السودان – وتحديدًا الجيش النظامي – حصل مؤخرًا على دفعات من هذه الطائرات ضمن اتفاق عسكري مع أنقرة.
وبالتالي:
-
فإن نسب عملية الاغتيال إلى “بيرقدار” يُحمّل رسائل ضمنية بأن الجيش السوداني هو من يقف خلف الهجوم.
-
كما يضع تركيا في دائرة الجدل بشكل غير مباشر.
-
ويعزز فكرة أن اغتيالًا كهذا – إن حدث – هو عملية نوعية محسوبة بدقة.
لكن ما دام لا يوجد دليل فعلي، تبقى هذه الفرضيات جزءًا من قراءة الشائعة، وليست حقائق مؤكدة.
كيف سيؤثر الأمر لو كان صحيحًا؟
في حال ثبت لاحقًا أن حميدتي قد قُتل بالفعل، فإن السودان سيكون أمام تغير جذري في موازين القوى:
1. انهيار محتمل لقوات الدعم السريع
اعتمادها على حميدتي يجعل غيابه ضربة قاصمة.
2. تعزيز موقع الجيش
قد يكسب الجيش تفوقًا عسكريًا وسياسيًا سريعًا.
3. تصاعد الفوضى في دارفور
غياب حميدتي قد يؤدي إلى:
-
انقسام الميليشيات.
-
انفلات السلاح.
-
صراع قبلي جديد.
4. تدخلات إقليمية واسعة
مقتل شخصية على هذا المستوى سيدفع:
-
مصر
-
الإمارات
-
السعودية
-
تشاد
-
الاتحاد الأفريقي
إلى إعادة ضبط سياساتها تجاه السودان.
سواء كان أغتيال حميدتي إشاعة أم حقيقة فأن السودان يعيش مأساة الحرب
حتى اللحظة، لا توجد أي أدلة موثوقة تؤكد اغتيال حميدتي بطائرة بيرقدار، وكل ما يتم تداوله يدخل في إطار حرب المعلومات التي ترافق النزاعات الكبرى.
لكن انتشار هذه الشائعة بحد ذاته يعكس حجم التوتر، ويكشف هشاشة الوضع السوداني، والتعطش الشعبي لمعرفة نهاية قريبة للحرب.
تبقى الحقيقة معلّقة، والحدث – سواء كان إشاعة أم حقيقة – يكشف أن السودان يعيش واحدة من أكثر لحظاته حساسية منذ عقود.

