الصباح اليوم
بوابة الصباح اليوم

الحوادث

جريمة الفيما.. حين يكون الجهل هو القاتل الحقيقي

جريمة بطلها الجهل
-

في قريةٍ هادئة من قرى محافظة أسيوط، كانت أصوات الزغاريد تعانق السماء في صباحٍ يُفترض أن يكون بداية لحياةٍ جديدة، غير أن الفرح انقلب إلى مأساة تقشعرّ لها الأبدان. في منزلٍ ما زال يحمل آثار الزينة والورود، تحوّل يوم الزفاف إلى صباحٍ دامٍ، لتكتب قرية الفيما واحدة من أبشع الجرائم التي لم يكن بطلها الإنسان فقط، بل الجهل الذي أعمى البصيرة قبل أن يُزهق الروح.

بداية الكارثة

مع إشراقة الصباح التالي لليلة العمر، تلقّت الأجهزة الأمنية بلاغًا من شاب يُدعى محمد. م. ب (24 عامًا) – طالب ومقيم بالقرية – أبلغ بنفسه عن ارتكابه جريمة قتل زوجته "أزهار" البالغة من العمر 16 عامًا فقط، داخل منزل الزوجية بعد ساعات من الزفاف.
انتقل رجال المباحث إلى موقع الجريمة، ليجدوا المتهم جالسًا في صمتٍ مذهول أمام جثمان زوجته المسجاة أمام باب الحمّام، وإلى جواره الأداة المستخدمة في الجريمة. لم يهرب، لم يقاوم، فقط كان يحدق في الفراغ، وكأن ما فعله لم يكن سوى كابوس لا يدرك فداحته بعد.

شكوك قاتلة.. والجهل سلاح الجريمة

في أقواله أمام النيابة، اعترف المتهم قائلاً إنه أقدم على قتل زوجته بعدما ساورته الشكوك في "عفتها"، إذ لاحظ – بحسب زعمه – أنه لم يرَ دماءً في ليلة الدخلة، فظنّ أن زوجته ليست بكرًا، ولم يُدرك أن الجهل بمسائل الطب والحياة الزوجية قد قاده إلى ارتكاب جريمة لا تُغتفر.
التحريات الأمنية أكدت أن المتهم لا يعاني من أي اضطرابات نفسية أو عقلية، وأن دافعه الوحيد كان الشك الأعمى المبني على مفاهيم مغلوطة ورواسب اجتماعية مريضة.

الحقيقة الصادمة من الطب الشرعي

كشف تقرير الطب الشرعي أن الفتاة كانت بكراً بالفعل، وأن غشاء البكارة من النوع الحلقي وبه آثار حديثة، وهو نوع لا يُسبب نزفًا واضحًا بعد العلاقة الزوجية الأولى. كما أشار التقرير إلى أن سبب الوفاة إصابات حادة في الرقبة مع فصلٍ شبه كامل للرأس عند مستوى الفقرات الثانية والثالثة، بالإضافة إلى آثار جروح قطعية بالوجه، تؤكد أن الجريمة نُفّذت بوحشية مروّعة.

المحاكمة.. والعدالة تواجه الجهل

القضية التي حملت رقم 18537 لسنة 2024 جنايات الفتح، نُظرت أمام الدائرة الرابعة الاستئنافية بمحكمة جنايات أسيوط برئاسة المستشار جمال إبراهيم الشريف، وعضوية المستشارين هاني تاج الدين السيد ومحمد جمال علي، وأمانة سر عليان جامع ووائل عبد الحميد.
وبعد مرافعة طويلة استعرضت فيها النيابة تفاصيل الجريمة ودوافعها، قررت المحكمة إحالة أوراق المتهم إلى فضيلة المفتي لإبداء الرأي الشرعي في تنفيذ حكم الإعدام، على أن تُعقد الجلسة النهائية للنطق بالحكم في ديسمبر 2025.

حين يقتل الجهل إنسانين في آنٍ واحد

هذه الجريمة ليست مجرد مأساة عائلية، بل درس قاسٍ لمجتمعٍ ما زال بعضه أسيرًا لثقافة العيب والشك والخرافة. فتاة في السادسة عشرة فقدت حياتها ظلمًا، وشاب في الرابعة والعشرين فقد مستقبله إلى الأبد، وكل ذلك لأن الجهل تسلّل إلى عقولٍ لم تجد من يعلّمها معنى العلم أو الرحمة أو الفهم الصحيح للحياة الزوجية.

في النهاية، لم يكن القاتل الحقيقي ذلك الشاب الذي سلّم نفسه، بل الجهل الذي ربّاه المجتمع في صمت، حتى تحوّل إلى سكينٍ حادٍّ ذبح البراءة بدمٍ بارد.