مصر تتجاوز حاجز الـ50 مليار دولار لأول مرة في تاريخها.. رحلة صعود احتياطي النقد الأجنبي خلال العقد الأخير

إنجاز تاريخي جديد.. مصر تسجل أعلى احتياطي نقدي في تاريخها
أعلن البنك المركزي المصري اليوم الأحد، أن الاحتياطي النقدي من العملات الأجنبية تجاوز حاجز الـ50 مليار دولار للمرة الأولى في تاريخ البلاد، ليصل إلى 50.07 مليار دولار بنهاية أكتوبر 2025، بزيادة قدرها 537 مليون دولار عن شهر سبتمبر الماضي.
ويُعد هذا الإنجاز الاقتصادي علامة فارقة في مسار الاقتصاد المصري، ويعكس تحسنًا ملموسًا في مصادر تدفق النقد الأجنبي وتنوعها خلال الفترة الأخيرة، بعد سنوات من الضغوط الناتجة عن الأزمات العالمية وتداعيات الحرب في أوكرانيا وجائحة كورونا.
تطور الاحتياطي النقدي المصري خلال السنوات الماضية

شهد احتياطي النقد الأجنبي في مصر تقلبات كبيرة على مدار السنوات الماضية، متأثرًا بالأوضاع الداخلية والعوامل العالمية.
عام 2013:
بلغ الاحتياطي النقدي في نهاية العام نحو 17.5 مليار دولار، في ظل ظروف سياسية واقتصادية مضطربة بعد أحداث 2011 و2013.
عام 2016:
شهد الاقتصاد المصري نقطة تحول مهمة مع قرار تعويم الجنيه في نوفمبر 2016، ما أدى إلى تحسن تدفقات النقد الأجنبي تدريجيًا، وارتفع الاحتياطي إلى نحو 24.3 مليار دولار بنهاية العام، بدعم من قرض صندوق النقد الدولي البالغ 12 مليار دولار.
عام 2019:
وصل الاحتياطي إلى 45.4 مليار دولار في نهاية العام، وهو رقم قياسي في ذلك الوقت، نتيجة زيادة الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وتحسن قطاعي السياحة وتحويلات العاملين بالخارج.
عام 2020:
مع تفشي جائحة كورونا، تراجع الاحتياطي إلى 36 مليار دولار نتيجة انخفاض عائدات السياحة وتراجع الصادرات، قبل أن يبدأ بالتحسن تدريجيًا مع نهاية العام.
عام 2022:
تأثر الاحتياطي بتداعيات الحرب الروسية الأوكرانية وخروج جزء من الاستثمارات الأجنبية في أدوات الدين، لينخفض إلى نحو 33.4 مليار دولار، وهو أدنى مستوى له منذ 2016.
عام 2023 – 2024:
بدأ الاقتصاد المصري في التعافي بعد توقيع اتفاقيات تمويل جديدة مع صندوق النقد الدولي ودول الخليج، لتتخطى الاحتياطيات حاجز 44 مليار دولار في نهاية 2024.
عام 2025:
بفضل الإصلاحات الاقتصادية وتحرير سعر الصرف مطلع العام، وتحسن تحويلات المصريين بالخارج، ارتفع الاحتياطي بوتيرة متسارعة حتى بلغ 50.07 مليار دولار في أكتوبر 2025، وهو أعلى رقم في تاريخ البنك المركزي المصري.

مصادر تدفق النقد الأجنبي التي عززت الاحتياطي
يعود هذا الارتفاع التاريخي إلى عدة عوامل رئيسية، أبرزها:
-
تحرير سعر الصرف:
القرار ساهم في جذب التدفقات الأجنبية من المستثمرين الأجانب والمصريين العاملين بالخارج. -
ارتفاع تحويلات المصريين بالخارج:
سجلت التحويلات نحو 23.2 مليار دولار بين يناير ويوليو 2025، بزيادة قدرها 49.7% مقارنة بالفترة نفسها من 2024. -
تعافي إيرادات قناة السويس:
رغم الخسائر التي تكبدتها القناة بسبب التوترات في البحر الأحمر، فإن الإيرادات بدأت بالتعافي تدريجياً مع ارتفاع حركة التجارة العالمية. -
انتعاش قطاع السياحة:
حيث سجلت الإيرادات السياحية توقعات قياسية تصل إلى 18 مليار دولار بنهاية العام، لتصبح أحد أبرز مصادر دعم الاحتياطي النقدي. -
تدفقات استثمارية جديدة:
شهدت مصر تدفقات مالية من مستثمرين خليجيين وأجانب ضمن برامج الخصخصة ومبادرات الشراكة الاقتصادية.
تصريحات محافظ البنك المركزي
أكد حسن عبد الله، محافظ البنك المركزي المصري، في تصريحات سابقة أن “مصر تمكنت من تحقيق فائض فعلي في موارد النقد الأجنبي خلال 2025، وهو ما يضمن تغطية جميع الالتزامات الخارجية، ويدعم استقرار العملة المحلية”.
وأضاف أن استراتيجية البنك تركز على زيادة مرونة السوق المصرفي وتعزيز الثقة في النظام المالي، بالتوازي مع جذب مزيد من الاستثمارات الأجنبية في القطاعات الإنتاجية.
نظرة مستقبلية
يتوقع خبراء الاقتصاد أن يشهد الاحتياطي النقدي مزيدًا من الارتفاع خلال عام 2026، مع استمرار تدفق الاستثمارات، وتراجع الضغوط التضخمية، وتحسن معدلات الصادرات المصرية.
كما تُعد الأرقام الحالية مؤشرًا على عودة الثقة في الاقتصاد المصري، وقدرته على تجاوز الصدمات الاقتصادية العالمية والمحلية، وتحقيق نمو مستدام يعتمد على تنويع مصادر الدخل بالعملة الصعبة.
نجاح الإصلاح الاقتصادي واستعادة التوازن المالي
تجاوز مصر حاجز 50 مليار دولار في احتياطي النقد الأجنبي ليس مجرد رقم، بل هو دليل على نجاح الإصلاح الاقتصادي واستعادة التوازن المالي بعد سنوات من التحديات.
ويؤكد ذلك أن الاقتصاد المصري يدخل مرحلة جديدة من الاستقرار والثقة، تمهد لجذب مزيد من الاستثمارات وتحسين معيشة المواطن المصري في السنوات المقبلة.جدول توضيحي لتطور احتياطي النقد الأجنبي في مصر (2013 - 2025)
السنة حجم الاحتياطي (مليار دولار أمريكي) أبرز الأحداث الاقتصادية 2013 17.5 اضطرابات سياسية واقتصادية بعد 2011 وتراجع السياحة والاستثمار الأجنبي. 2014 16.7 بداية التعافي التدريجي بفضل المساعدات الخليجية ودعم الاحتياطي النقدي. 2015 20.1 زيادة طفيفة في الاحتياطي بدعم من القروض والمساعدات الخارجية. 2016 24.3 قرار تحرير سعر الصرف في نوفمبر 2016 وبدء برنامج صندوق النقد الدولي. 2017 36.7 ارتفاع سريع في الاحتياطي نتيجة تدفقات استثمارية وسندات دولية. 2018 44.5 استمرار النمو بدعم من السياحة وتحويلات المصريين بالخارج. 2019 45.4 تحقيق رقم قياسي جديد قبل جائحة كورونا بفضل تحسن الإيرادات الدولارية. 2020 36.0 تراجع بسبب جائحة كورونا وانخفاض السياحة وتحويلات العاملين بالخارج. 2021 40.9 تعافٍ تدريجي مدعوم بعودة السياحة وفتح الأسواق العالمية. 2022 33.4 انخفاض بسبب تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية وخروج استثمارات أجنبية. 2023 41.2 بدء التعافي مع استقرار سعر الصرف وتدفقات من صناديق استثمارية. 2024 44.8 ارتفاع الاحتياطي بفضل إصلاحات اقتصادية وتحرير جزئي لسعر الدولار. 2025 50.07 أعلى مستوى في تاريخ مصر نتيجة زيادة التحويلات والسياحة واستثمارات جديدة. يُظهر الجدول مسارًا تصاعديًا واضحًا لاحتياطي النقد الأجنبي في مصر خلال العقد الأخير، رغم الصدمات العالمية والأزمات الاقتصادية. وقد ساهمت الإصلاحات النقدية وتحرير سعر الصرف في 2016 ثم في 2025 في جذب تدفقات دولارية قوية. كما كان لتحسن تحويلات المصريين بالخارج والسياحة وقناة السويس دور رئيسي في وصول الاحتياطي إلى أكثر من 50 مليار دولار لأول مرة في تاريخ البلاد.

