فى سوريا.. النفوذ والصراع باتا محسوماً

سوريا.. من دولة ذات سيادة إلى ساحة نفوذ دولي
لم يكن أحدٌ يتصوّر ولو فى الخيال أن تصبح سوريا اليوم مرتعاً للقواعد العسكرية على أراضيها، وكأنها تحولت في النهاية إلى قطعة من الحلوى. تم تقسيمها بالفعل وفقاً لمصالح القوى العظمى، فجرى الإعلان عن إقامة قاعدة عسكرية جوية أمريكية فى قلب العاصمة دمشق (مطار المزة العسكري) مقابل قصر الرئاسة السورية، بخلاف القاعدة العسكرية الأمريكية في منطقة «التنف» على الحدود السورية–العراقية.
جريمة القتل على الهوية.. مأساة المجتمع السوري
ومع ذلك، بات من المؤكَّد أن أبشع جريمة يواجهها الشعب السوري في حق نفسه ووطنه (المخطوف) اليوم ' جريمة القتل على الهوية الطائفية كظاهرة حاكمة في مجمل العلاقات، التي انتُزعت منها كل القيم الإنسانية والأخلاقية والاجتماعية والثقافية والحضارية، وعدم قبول «الآخر»، مع إشعال نار الفتنة من قبل عصابة الجولاني ومناصريه في تبنّيهم لـ «فقه الدم» من الجهاديين الأجانب والتكفيريين.
من يملك دمشق اليوم؟
أما السؤال الحائر في النفوس فهو ليس من يحكم دمشق، بل من يملكها اليوم بالفعل؟ ليظل الواقع أكثر إيلاماً مع اقتراب اكتمال عام على تنصيب أبو محمد الجولاني «زعيم تنظيم القاعدة وهيئة تحرير الشام» رئيساً بالقوة الجبرية، ومتجاهلاً كافة القوى الوطنية والسياسية وأقطاب المعارضة الذين اختفوا تماماً عن الساحة، مع استمرار ظاهرة الانفلات الأمني وغياب للأمن والأمان والاستقرار، وانتشار مظاهر التظاهرات الفئوية التي تعبر عن عجز الجولاني في إيجاد حلول حقيقية تلبي الحد الأدنى للمواطن السوري المطحون.
الجولاني بين واشنطن وترامب.. رئيس بحكم الأمر الواقع
ومع الترويج والتلميع لزيارة الجولاني إلى واشنطن ولقائه—يوم الاثنين المقبل—بالريس الأمريكي ترامب،بوصفه رئيساً انتقالياً لسوريا منذ الاستقلال عام 1946 ومُصنَّفاً «إرهابياً» على قوائم الإرهاب الدولي، إلا أنه مع كل زيارة وجولة خارجية للجولاني تتآكل قدرته في السيطرة على السلطة، لتصبح سوريا اليوم تحت وصاية مكتملة الأركان خلال تلك المرحلة الانتقالية غير الواضحة المعالم بحكم الأمر الواقع.
اتفاق السلام والتطبيع مع إسرائيل.. المشهد الأكثر جدلاً
ووفقاً لتقارير أمريكية عدة أشارت إلى أن ترامب سيلتقي الجولاني، لإعلان انضمام سوريا إلى قوات التحالف الدولي لمحاربة داعش على الأراضي السورية، ومن ثم التوقيع على اتفاق شامل للسلام والتطبيع مع إسرائيل 'عوضاً عن الفشل في التوقيع على الاتفاق الأمني مع إسرائيل خلال زيارة سابقة للجولاني إلى الأمم المتحدة؛ علمًا أن إسرائيل من جانبها نفذت كل بنود الاتفاق الأمني دون توقيع، وبمقتضاه سيطرت على كامل الجنوب السوري، مع خروج أربع محافظات (القنيطرة ودرعا والسويداء وريف دمشق) عن سيطرة الجولاني وعجزه عن زيارة تلك المحافظات.
خريطة الوصاية الأمريكية.. توزيع النفوذ بين القوى الكبرى
كما أوضحت العديد من التقارير الصادرة عن بعض الصحف العالمية أن خريطة الوصاية الأمريكية على سوريا قد اكتملت: بالوجود التركي العسكري في الشمال، وحضور وانتشار روسي عسكري غير مسبوق على الساحل السوري، وبصلاحيات وتنازلات أوسع من قبل الجولاني خلال زيارته إلى موسكو مؤخراً—رغم العداء المستحكم بين هيئة تحرير الشام وروسيا—فيما تفرض إسرائيل وجودها كاملاً في الجنوب السوري وتجبر أهالي القنيطرة على رفع الرايات البيضاء.
مطار المزة العسكري.. قاعدة للمراقبة وحماية التطبيع
وتبقى قوات سوريا الديمقراطية (قسد) بقيادة الجنرال مظلوم عبدي لها حق الانتشار في معظم الأراضي السورية لمحاربة عناصر وخلايا تنظيم داعش، وتُعد الضامن الموثوق به لانعدام الثقة التامة تجاه ما يسمى قوات الأمن العام أو المقاتلين الأجانب المنتمين لما يُسمى بالجيش التابع لهيئة تحرير الشام، وبما يضمن منع أي تصعيد أو انفلات أمني غير محسوب قد ينعكس سلباً على أمن إسرائيل ويهدد استقرار المنطقة٠
فيما تبقى وظيفية القاعدة العسكرية فى مطار المزة العسكرى لتوفير الحماية ومراقبة وتنفيذ اتفاق السلام الشامل والتطبيع مع إسرائيل .
ويبقى السؤال الأهم: هل سيحارب الجولاني «ظله»؟
فى فلسفة التنظيمات الإرهابية الجهادية يدرك القائمون عليها أن خروج أي عنصر عن إرادة وفكر تلك الجماعات مصيره الموت المحتوم؛ فما بالك بقائد ونموذج كمحمد الجولاني يعلن خروجه عن التنظيم ليبقى مرشداً ويوقع على اتفاق دولي لمحاربة داعش؟ في مقاربة هي شديدة التشابه مع من يطلق النار على نفسه، وهدفا لاستحلال دمه، كونه مُصنّفاً «داعشياً» في العقيدة والبيئة والفكر. فكيف سيقنعهم أن تحوّله ليس خيانة؟
وربما يكون النفير العام فى المساجد السورية كما حدث مع (العلويين والدروز)، لتتحول فتتحول شوارع دمشق إلى منصات يصب السوري جام غضبهم ولعناتهم على تلك العصابة وعبر رحلة جاسوس انطلق باسم الجهاد منذ اليوم الأول ولم يدخل سوريا كمنقذ، وإنما كمشروع احتلال واختصار لسوريا وحضارتها في «بيعة وراية "وإمارة ومشايخ تدير شؤون العباد وفق فقه الدم

