الصباح اليوم
بوابة الصباح اليوم

أسرار السياسة

صلاح توفيق يكتب : الجولاني بين العمالة والنفاق السياسي الفج

صلاح توفيق
بقلم - صلاح توفيق -

في الوقت الذي تحتاج فيه الدولة السورية بتاريخها العريق إلى قيادات وطنية تحمي مؤسساتها وتستعيد سيادتها، تثير مواقف بعض القادة المسلحين وخطاباتهم المتقطعة والنشاز تساؤلاً غريبا اً: هل من المقبول أن يتفاخر شخصٌ له تاريخ في الاقتتال المسلح والتعاون مع حلفاء إقليميين بأنه المقرر الوحيد لمصير دولة بحجم سوريا؟ وهل يُترك قرار المصير والمستقبل في يد «جماعاتٍ» لا تمثّل إلا نفسها؟

هذا السؤال ينطبق اليوم على من يسمّون أنفسهم قادة «الجهاد» أو «التحرّر» الذين صدعوا الشعوب بشعاراتٍ جوفاء عالية النبرة عن «القدس» و«الزحف بالملايين»، بينما تغيب عنهم ممارساتٌ مسؤولة تُنقذ المدن والناس من واقعٍ مأساوي. في المقابل، يرى كثيرون أن العنوان الوطني الحقيقي يجب أن يكون استعادة سيادة الدولة ووحدتها وليس تقديم تقدي للدول من جانب حاكم فاشل اقلها فشله في حماية ارضة بحجة عدم القدرة فاصبحت قوات الاحتلال ترتع وتلعب بالقرب من العاصمة دمشق دون ان نسمع كلمة واحدة عن الجهاد والتحرير

يبدو أن التاريخ يكرر نفسه، ولكن هذه المرة في أكثر صوره قسوة وسخرية، عندما يتحول من حملوا شعار “التحرير” إلى أدواتٍ في أيدي من يعبثون بسيادة الأوطان. فحين يتحدث أبو محمد الجولاني، المعروف بتاريخه الدموي وممارساته الإرهابية، عن “القيادة” و”التحرر”، لا يملك السوري سوى أن يتساءل: من فوّض هذا الرجل ليتحدث باسم سوريا، الدولة التي تمتد جذورها الحضارية إلى آلاف السنين؟

الجولاني.. من إرهاب الدم إلى تسويق الوهم

الجولاني الذي بدأ مسيرته في تنظيم “القاعدة” وانتقل إلى “جبهة النصرة” قبل أن يبدّل اسمها إلى “هيئة تحرير الشام”، لم يغيّر في جوهره شيئًا سوى الشعارات. فالرجل الذي رفع راية “نصرة الإسلام” لم يقدّم للسوريين سوى القتل، والدمار، وتشريد الملايين.
يحاول اليوم أن يتقمص دور السياسي الوطني، متحدثًا عن “الحكم الرشيد” و”مستقبل سوريا”، بينما يداه ملوثتان بدماء أبناء بلده الذين قُتلوا تحت رايات الفصائل التي قادها بل راح الرجل الي ابعد من ذلك لشاهد العالم اجمع رجل مبطح بشكل غريب امام المحتل ويكفي انا الجولاني لنسبة للجولان المحتل والذي كان مطلوبا للولايات المتحدة تحول صديقا لها فما الثمن ؟.

لقد تحولت مناطق نفوذه في الشمال السوري إلى إقطاعيات مغلقة تُدار بالحديد والنار، تُفرض فيها الضرائب على الفقراء، وتُكمم فيها الأفواه، في حين تُفتح الأبواب أمام رعاة أجانب وممولين إقليميين يملون عليه قراراته، مقابل بقائه على قمة سلطةٍ بلا شرعية.

تواطؤ صامت مع الاحتلال

الغريب أن من يزعم “التحرير” لم ينبس ببنت شفة أمام الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على القنيطرة وريف دمشق. الجولاني الذي كان يرفع شعار “القدس بالملايين” لم يطلق رصاصة واحدة باتجاه الاحتلال، بل اكتفى بالتنديد الشكلي، وكأن الدفاع عن الأرض لا يعنيه ما دامت مكاسبه المحلية في مأمن.
لقد صمت عن إسرائيل، وتحدث فقط عندما أراد تبييض صورته أمام داعميه الإقليميين، في مشهدٍ يختزل حقيقة تحوّله من “جهاديٍّ” مزعوم إلى ورقة ضغط في يد القوى الأجنبية.

تركيا والخليج.. تمويلٌ مقابل الولاء

لا يخفى على أحد أن بقاء الجولاني في المشهد مرهونٌ بالدعم القادم من أنقرة وبعض العواصم الخليجية، التي رأت في الفصائل المسلحة وسيلةً لإعادة رسم الخارطة السورية بما يخدم مصالحها.
لكن المفارقة أن الرجل الذي باع شعاراته الأولى، أصبح ينفذ تعليمات الداعمين حرفيًا؛ يهاجم من يُطلب منه مهاجمته، ويصمت عمّن يُراد له الصمت عنه.
هكذا أصبح الجولاني مثالًا صارخًا على المرتزقة الجدد الذين يرتدون عباءة الدين لتبرير مشروعٍ سياسي قائم على التبعية لا على التحرير.

مصر.. موقف ثابت من الإرهاب

على الضفة الأخرى، يبقى الموقف المصري ثابتًا وواضحًا. فمصر التي دفعت ثمنًا باهظًا في مواجهة الإرهاب، لا يمكنها أن تقبل أو تتغاضى عن أن يتصدر مشهد سوريا رجلٌ يُعرف بالإرهاب والقتل وسفك الدماء.
القاهرة، بوعيها التاريخي ومكانتها العربية، تدرك أن سوريا لا تُبنى بالمليشيات ولا تُحكم بالرصاص، بل بالمؤسسات الوطنية الجامعة التي تعبّر عن كل مكونات الشعب السوري، لا عن فصيلٍ أو جهةٍ ممولة من الخارج.

النفاق السياسي بين الشعارات والواقع

حين يخرج الجولاني ليتحدث عن “تحرير الجولان” بينما هو على بُعد كيلومترات من أراضٍ تُقصف يوميًا من إسرائيل دون أن يحرك ساكنًا، فإننا أمام نموذج فجّ للنفاق السياسي.
فمن أراد “الزحف إلى القدس”، فليبدأ من الجولان التي سُلبت من بلده منذ عقود، لا من الشعارات التي تُقال للكاميرات وتُنسى عند أول حساب سياسي.

سوريا تحتاج رجال دولة يؤمنون بالسيادة والوحدة

سوريا لا تحتاج إلى خطباء من خلف المتاريس، بل إلى رجال دولة يؤمنون بالسيادة والوحدة، ويعرفون أن الوطن لا يُباع في أسواق السياسة ولا يُدار من غرف المخابرات الأجنبية.
أما الجولاني ومن هم على شاكلته، فقد انتهى دورهم بمجرد أن تحول “جهادهم” إلى وسيلة تمويلٍ ومصالح.
ويبقى الشعب السوري، رغم الألم، هو صاحب الكلمة الأخيرة — الكلمة التي ستسقط كل الأقنعة، وتعيد للوطن وجهه الحقيقي بعيدا عن زمرة الأرهابيين مدعي الوطنية والتحرر.