لماذا تخطط أمريكا.. وهل العرب واعون لما يجري؟

مركز التنسيق الأمريكي جنوب إسرائيل.. بين مراقبة السلام وضبط الميدان وتكريس النفوذ
افتتحت الولايات المتحدة الأمريكية مركز التنسيق المدني العسكري جنوب إسرائيل ليكون منصة رئيسية لمراقبة اتفاق وقف إطلاق النار وتنسيق تدفق المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، في وقتٍ تتصاعد فيه الشكوك الإقليمية حول الأهداف الحقيقية لهذا التحرك الأمريكي الجديد.
ويقع المركز في مبنى خارج مدينة كريات جات الإسرائيلية، على بُعد نحو 20 كيلومترًا فقط من حدود غزة، ويقوده جنرال أمريكي بثلاث نجوم، بمشاركة 200 جندي أمريكي وعدد غير معلن من العسكريين الإسرائيليين.
الأهداف المعلنة.. "التنسيق الإنساني"

وفقًا للتصريحات الرسمية، فإن مهمة المركز تنحصر في مراقبة اتفاق وقف إطلاق النار وتنسيق مرور المساعدات الإنسانية والإغاثية إلى سكان القطاع، مع تأكيد نائب الرئيس الأمريكي جي دي فانس أن القوات الأمريكية لن تدخل غزة ميدانيًا.
وقال فانس:
"لن تكون هناك قوات أمريكية على الأرض داخل غزة. دورنا تنسيقي بحت، وهدفنا هو جمع الحلفاء — من إسرائيل إلى الخليج وتركيا وإندونيسيا — للعمل معًا لتحقيق سلام دائم."
لكن خلف هذه التصريحات "الناعمة"، تدور حسابات استراتيجية دقيقة، يراها مراقبون بمثابة محاولة أمريكية لإعادة هندسة التوازنات في الشرق الأوسط بعد الحرب، ووضع بصمة عسكرية وسياسية مباشرة قرب حدود غزة دون الحاجة إلى تدخل تقليدي.
خلف الأبواب المغلقة.. مخاوف عربية من "التحكم عن بُعد"
رغم الطابع الإنساني المعلن للمركز، إلا أن دولًا عربية عدة تنظر إليه بقلق بالغ.
فإقامة قاعدة تنسيقية بهذا الحجم، تضم ضباطًا أمريكيين وإسرائيليين على بعد دقائق من غزة، تُعد في نظر كثيرين خطوة غير بريئة تحمل أبعادًا استخباراتية وعسكرية.
يرى محللون أن واشنطن تسعى من خلال هذا المركز إلى:
-
مراقبة تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار من موقع ميداني مباشر يتيح لها جمع المعلومات.
-
التحكم في مسار المساعدات الإنسانية لضمان توجيهها بما يخدم أهدافها السياسية.
-
منع أي طرف إقليمي، خاصة مصر أو قطر، من احتكار ملف الوساطة أو فرض واقع ميداني جديد في غزة.
-
تهيئة المسرح لتواجد دولي مستقبلي داخل القطاع تحت غطاء إعادة الإعمار أو حفظ السلام.
المصالح الأمريكية.. ما وراء التنسيق الإنساني
من الناحية الجيوسياسية، يبدو أن المركز الأمريكي ليس فقط لوقف إطلاق النار، بل لبسط نفوذ واشنطن على مرحلة ما بعد حماس.
ففي تصريحات نائب الرئيس فانس، لُوحظ تكرار الحديث عن "هيكل حكم مرن في غزة" و"ضمان الأمن قبل التفكير في السياسة"، وهي عبارات يقرأها المراقبون كإشارة إلى نية واشنطن لتأجيل الحل السياسي، مقابل فرض ترتيبات أمنية دولية بوصاية أمريكية.
ويقول محللون في واشنطن إن إدارة ترامب الثانية تسعى إلى:
-
ضمان عدم بروز قوة فلسطينية مسلحة مجددًا في غزة.
-
احتواء النفوذ الإيراني والتركي داخل المعادلة الجديدة.
-
منح إسرائيل غطاءً دبلوماسيًا لإعادة تشكيل حدودها الأمنية جنوبًا.
-
تثبيت الولايات المتحدة كـ"الوسيط الوحيد القادر على فرض السلام" في المنطقة.
العرب بين الغياب والانتظار
في المقابل، يُطرح تساؤل جوهري: هل العرب واعون لما يجري؟
بينما تتابع العواصم العربية هذه التطورات، يبدو أن رد الفعل العربي ما يزال محدودًا ومقتصرًا على التصريحات الدبلوماسية العامة حول "أهمية استقرار الأوضاع في غزة".
تدرك القاهرة والرياض والدوحة أن إنشاء مركز بهذا الحجم في جنوب إسرائيل يعني أن واشنطن بدأت فعليًا مرحلة إدارة ما بعد الحرب، بينما يُختزل الدور العربي في المساعدات وإعادة الإعمار فقط.
ويخشى خبراء مصريون أن يؤدي ذلك إلى تهميش دور الوساطة المصرية التقليدي، خاصة في ظل رغبة واشنطن في أن تكون هي المشرف المباشر على كل ما يدخل أو يخرج من غزة.
هل هي مقدمة لوجود دائم؟
المخاوف الإقليمية تتصاعد مع الحديث عن إمكانية انضمام قوات من دول أخرى إلى المركز الأمريكي، وسط تكتم واشنطن على هوية الدول المشاركة.
ويرى محللون أن هذه الصيغة قد تمهّد لاحقًا لإنشاء بعثة مراقبة دولية في غزة تتطور تدريجيًا إلى وجود عسكري دائم تحت مظلة إنسانية، وهو السيناريو الذي لطالما حذرت منه أطراف عربية وفلسطينية.
أمريكا تُنسّق.. والعرب يُراقبون
يبدو أن الولايات المتحدة تسعى عبر هذا التحرك إلى تثبيت حضورها الميداني والسياسي في غزة دون الدخول في مواجهة مباشرة، بينما تبقى المنطقة العربية منشغلة بالبيانات والمداولات.
وما لم تتبلور رؤية عربية موحدة لما بعد الحرب، فإن الملف الفلسطيني سيتحول تدريجيًا من قضية عربية إلى ملف إداري أمريكي–إسرائيلي تديره واشنطن من على بعد 20 كيلومترًا فقط من غزة.

