الصباح اليوم
بوابة الصباح اليوم

أسرار السياسة

جائزة للنفوذ أكثر من السلام

الطريق إلى نوبل.. من منصة السلام إلى مسار التحالفات الإسرائيلية

صلاح توفيق
بقلم - صلاح توفيق -

هل فقدت الجائزة العالمية قيمتها الكبرى في نشر المحبة والأخوة بين الإنسانية؟- قضايا الشرق الاوسط ونوبل السلام

منذ تأسيس جائزة نوبل للسلام والتي كان الهدف منها ان تمنح للشخصيات تنشر السلام والتسامح والمحبة علي وجة الكرة الأرضيه كان الهدف من تاسيس الجائزة هدفا نبيلا ولا يختلف مع قيمة الجائزة الرفيعة واهدافها النبيلة فمنذ أكثر من قرن، ارتبط اسم جائزة نوبل للسلام بالجهود التي تُبذل لنشر التسامح والمصالحة ووقف الحروب. غير أن السنوات الأخيرة حملت تحولات جوهرية جعلت كثيرين يتساءلون: هل لا تزال الجائزة تحمل معناها النبيل؟ أم أنها أصبحت أداة سياسية تُمنح وفق تحالفات ومصالح دولية، خصوصًا حين ترتبط أسماء الفائزين بها بعلاقات مع إسرائيل أو أحزابها اليمينية المتطرفة؟

من الجدارة إلى الجدل.. حين يتحول السلام إلى ورقة سياسية

مؤخرا أعلنت لجنة نوبل النرويجية منح الجائزة لزعيمة المعارضة الفنزويلية ماريا كورينا ماتشادو، رغم كونها فاقدة للأهلية السياسية بحكم قضائي صادر عن المحكمة العليا في فنزويلا في يناير 2024.
وبينما كانت اللجنة تُشيد بـ"نضالها السلمي من أجل الديمقراطية"، كانت الصحافة العبرية تكشف عن تحالفات سياسية سابقة جمعتها مع حزب الليكود الإسرائيلي برئاسة بنيامين نتنياهو، وتوقيعها اتفاقية تعاون عام 2020 مع الحزب الذي يمثل تيار اليمين الإسرائيلي المتشدد.

هذا الربط بين الفائزة بـ"جائزة السلام" وأحد أكثر الأحزاب الإسرائيلية تشددًا فتح بابًا واسعًا من التساؤلات: هل تكريمها يعكس فعلًا تقديرًا للنضال السلمي، أم أنه جزء من مشروع سياسي دولي لتلميع وجوه موالية لإسرائيل؟

البيت الأبيض يهاجم اللجنة.. وترامب يصف القرار بـ“التحيز السياسي”

في الولايات المتحدة، لم يمر القرار مرور الكرام. إذ أعرب البيت الأبيض عن استيائه من تجاهل لجنة نوبل للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي كان أبرز المرشحين بفضل مبادرته الأخيرة لوقف إطلاق النار في غزة.
وكتب مدير الاتصالات في البيت الأبيض ستيفن تشيونغ على منصة “إكس”:

“سيواصل الرئيس ترامب إبرام اتفاقيات السلام وإنهاء الحروب. يتمتع بقلب إنساني، ولن يكون هناك أبدًا من يستطيع تحريك الجبال بإرادته مثله.”

وأضاف أن لجنة نوبل “تفضّل السياسة على السلام”، في تلميح واضح إلى أن قرارها جاء نتيجة حسابات سياسية أكثر منه تكريمًا لنضال حقيقي.

علاقات نوبلية مع إسرائيل.. تاريخ طويل من الجدل

القضية ليست جديدة، فالعلاقة بين جائزة نوبل وإسرائيل تمتد لعقود:

  • 1994 – اتفاق أوسلو: حين مُنحت الجائزة لكلٍّ من ياسر عرفات، إسحق رابين، وشمعون بيريز بعد اتفاقية أوسلو، قُوبل القرار بانتقادات شديدة، إذ اعتبره البعض “جائزة سلام على جثة عملية سياسية فاشلة” انتهت بمزيد من العنف والاحتلال بدلًا من الحل الدائم.

  • مناحم بيجن (1978): نال الجائزة بعد توقيعه اتفاقية كامب ديفيد مع الرئيس المصري أنور السادات، لكن سنوات لاحقة شهدت غزو لبنان وتوسيع الاستيطان في الأراضي الفلسطينية، ما شكّل تناقضًا صارخًا بين الجائزة وواقع أفعاله.

  • ماريا كورينا ماتشادو (2025): المثال الأحدث، التي أعلنت نيتها نقل سفارة فنزويلا إلى القدس حال توليها الرئاسة، في موقف يتنافى مع مفهوم الحياد الإنساني الذي يُفترض أن تجسده الجائزة.

تُظهر هذه الحالات أن الطريق إلى نوبل كثيرًا ما مرّ عبر بوابات السياسة الإسرائيلية أو التحالف مع حلفائها الغربيين، ما جعل الجائزة في نظر الكثيرين رمزًا للنفوذ أكثر من السلام.

سلام على المقاس الغربي

يرى محللون أن لجنة نوبل باتت تميل في العقود الأخيرة إلى تكريم شخصيات تتوافق مواقفها مع المنظور الغربي للسلام، لا مع المعنى الإنساني الشامل له. فحين يُمنح التكريم لمن يعزز تطبيع العلاقات مع إسرائيل أو يدعم سياساتها، يصبح السلام أداة ضغط دبلوماسي لا قيمة إنسانية.

وفي المقابل، تُستبعد أسماء ناشطين حقيقيين في فلسطين واليمن والسودان وأفغانستان، لأنهم لا يملكون دعمًا سياسيًا أو “صورة مناسبة للإعلام”. وهكذا، تُصاغ الجائزة في قوالب ناعمة تخدم مصالح من يُمسكون بزمام السياسة العالمية.

هل فقدت نوبل رسالتها الإنسانية؟

حين تُمنح الجائزة لفائزين ترتبط مسيرتهم بعلاقات إسرائيلية أو مصالح سياسية، يصبح السؤال مشروعًا:
هل فقدت نوبل معناها الأصلي؟

إن “السلام” الذي تحدّث عنه ألفريد نوبل كان يعني تحقيق العدالة بين الشعوب ونبذ العنف والهيمنة، لا دعم المحاور السياسية أو التطبيع العسكري. ومع ذلك، تتكرر المشاهد ذاتها: فائزون يرفعون شعارات الحرية ويمارسون الإقصاء، أو يتبنّون مواقف مؤيدة لقوة احتلال تمارس القتل والتدمير.

استعادة القيمة الضائعة

لكي تستعيد جائزة نوبل للسلام مكانتها الأخلاقية، لا بد من:

  1. إعادة تعريف معايير الجائزة بحيث تقوم على الفعل الإنساني لا الانتماء السياسي.

  2. منح الأولوية للمظلومين والمدافعين الحقيقيين عن الحقوق الإنسانية، لا لمن يمتلك نفوذًا إعلاميًا أو سياسيًا.

  3. الفصل بين السلام والمصالح الجيوسياسية، وإعادة الجائزة إلى معناها الأصلي: تكريم من يزرع المحبة لا من يستثمرها.

نوبل تتحول من رمز للسلام العالمي إلى وسام سياسي مُجمَّل

  • فوز ماريا كورينا ماتشادو، رغم فقدانها الأهلية السياسية، أعاد الجدل حول مصداقية نوبل.

  • علاقاتها مع حزب الليكود وتصريحاتها الداعمة لإسرائيل تضع الجائزة في موقف حرج.

  • البيت الأبيض اتهم اللجنة بتسييس الجائزة بعد استبعاد ترامب رغم وساطته في غزة.

  • سجلّ نوبل مليء بحالات مشابهة تُظهر انحيازًا للمنظور الغربي في قضايا الشرق الأوسط.

  • إن لم تُراجع اللجنة معاييرها، فإن “نوبل” قد تتحول من رمز للسلام العالمي إلى وسام سياسي مُجمَّل.