قمة لتعزيز الحضور الروسي في ”الفناء الخلفي” القديم

تسعى روسيا من خلال هذه القمة إلى تعزيز روابطها السياسية والاقتصادية مع دول آسيا الوسطى التي كانت تقليديًا ضمن دائرة نفوذها، خصوصًا بعد أن بدأت هذه الدول توطيد علاقاتها مع الصين والاتحاد الأوروبي خلال السنوات الأخيرة.
وكان بوتين قد استخدم القمة الأولى في عام 2022 لتوجيه انتقادات حادة لما وصفه بمحاولات القوى الخارجية “كسر روابط التكامل التاريخية” بين روسيا وشركائها في آسيا الوسطى. واليوم، يواجه الكرملين تحديًا مضاعفًا للحفاظ على موقعه وسط تمدد نفوذ بكين المتسارع والوجود الاقتصادي الأوروبي المتنامي في المنطقة.
آسيا الوسطى.. ساحة "اللعبة الكبرى الجديدة"
تُعد آسيا الوسطى، التي توازي مساحتها تقريبًا مساحة الاتحاد الأوروبي بعدد سكان يبلغ نحو 80 مليون نسمة، من أغنى المناطق بالموارد الطبيعية مثل النفط والغاز والمعادن النادرة.

وتحاول دولها الخمس استعادة موقعها كمركز تجاري تاريخي بين الشرق والغرب، مستفيدة من موقعها الجغرافي ضمن مبادرة "الحزام والطريق" الصينية التي أطلقت عام 2013، وهي مشروع ضخم لإعادة تشكيل طرق التجارة العالمية.
ويقول الباحث إيليا لوماكين المقيم في قرغيزستان، إن الصراع الجاري في المنطقة يمثل "النسخة الجديدة من اللعبة الكبرى"، في إشارة إلى التنافس التاريخي بين روسيا وبريطانيا في القرن التاسع عشر للسيطرة على طرق التجارة في آسيا الوسطى.
ويضيف لوماكين أن روسيا، التي تُنفق موارد هائلة في حربها ضد أوكرانيا، تترك فراغًا استراتيجيا تستفيد منه الصين لتوسيع نفوذها الاقتصادي والسياسي في الجمهوريات السوفياتية السابقة.
تنسيق إقليمي في مواجهة الأزمات

وقالت وزارة الخارجية في كازاخستان إن نموذج (5+1) الذي يجمع دول آسيا الوسطى بروسيا أصبح منصة فعالة للتشاور وتنسيق المواقف الإقليمية حول القضايا الاقتصادية والأمنية، مؤكدة أن القمة ستُسهم في تعزيز الثقة والشراكة بين موسكو والعواصم الخمس.
ومن المقرر أن يلتقي بوتين خلال زيارته بـ الرئيس الطاجيكي إمام علي رحمن، قبل انطلاق القمة الرسمية بعد ظهر الخميس، وفق تصريحات المستشار الدبلوماسي الروسي يوري أوشاكوف.
تنافس اقتصادي محتدم
تشهد المنطقة تنافسًا اقتصاديًا شرسًا بين روسيا والصين والاتحاد الأوروبي. فبحسب الإحصاءات الرسمية لعام 2023، بلغت حجم التبادلات التجارية بين روسيا ودول آسيا الوسطى 44 مليار دولار، بينما ارتفعت مع الاتحاد الأوروبي إلى 64 مليار دولار في 2024.
أما الصين، فقد أصبحت الشريك التجاري الأول للمنطقة، بإجمالي تبادلات يُقدّر بـ 66.2 مليار دولار وفق بيانات آسيا الوسطى، و94.8 مليار دولار بحسب الجمارك الصينية.
وإلى جانب التجارة، تعمل الصين على توسيع نفوذها العسكري والتكنولوجي، حيث بدأت جيوش المنطقة تتجه إلى شراء الأسلحة والمعدات الدفاعية من الصين وتركيا، بعد عقود من الاعتماد الكامل على موسكو.
موسكو تحاول الحفاظ على نفوذها
رغم هذا التراجع النسبي، لا تزال روسيا تسعى إلى الحفاظ على نفوذها التاريخي في المنطقة عبر مشاريع الطاقة المشتركة، منها إمدادات الغاز الروسي وبناء محطات نووية في بعض دول آسيا الوسطى.
ويؤكد الكرملين أن العلاقة مع هذه الدول قائمة على التعاون لا التنافس، حيث قال بوتين في تصريحات سابقة:
“لا تنافس بيننا وبين الصين في آسيا الوسطى، بل شراكة تعزز استقرار المنطقة وتكاملها.”
روسيا بين "التاريخ والجغرافيا"
تُدرك موسكو أن فقدانها السيطرة على آسيا الوسطى يعني خسارة أحد أهم مفاتيح نفوذها الجيوسياسي، خاصة أن المنطقة تشكل جسرًا استراتيجيًا بين روسيا والشرق الأوسط وجنوب آسيا.
ويرى محللون أن زيارة بوتين الحالية إلى دوشانبي تمثل محاولة لإعادة التوازن في "اللعبة الكبرى الجديدة" بعد أن أصبحت بكين القوة الاقتصادية المهيمنة، والغرب الشريك المالي والتقني الصاعد.

