نرمين نبيل تكتب : الإعلام لا يحتاج إلى لجان.. الإعلام يحتاج إلى حريات

حين أُعلن عن تشكيل لجنة “تطوير الإعلام” في ماسبيرو، لم يشعر أحد بأن الخير قادم، بل أحسّ كثيرون أننا أمام فصلٍ جديد من السياسات القديمة التي لم تُنتج يوماً تطويراً حقيقياً، بل مزيداً من الاجتماعات والخطابات والبيانات المكرّرة. فاللجنة الجديدة لم تُقدَّم بوصفها رؤية للمستقبل، بل بدت كامتداد طبيعي لنهجٍ لم يغادر الماضي بعد.
اللجان لا تُصلح ما أفسدته القيود
وفي هذه البلاد، المواطن لا يخاف من ارتفاع الأسعار ولا من انقطاع الكهرباء بقدر ما يخاف من جملة “تشكيل لجنة جديدة”، لأن اللجان لا تُحل المشكلات بل تُجمّدها حتى إشعار آخر. والآن، لجنة لتطوير الإعلام! فكرة براقة في العنوان، لكنها حين تُفككها تجدها “نسخة مكررة” من نفس الوصفة القديمة: نفس الأسماء، نفس الأسلوب، نفس الصمت تجاه القضايا الحقيقية.
قرأت قائمة الأسماء جيداً. بعضهم بلا شك أصحاب ضمائر حية، لكن ما فائدة الضمير في منظومة لا تسمع إلا نفسها؟ قبل أن نوزّع الكراسي ونتبادل التصريحات، علينا أن نواجه الحقيقة: الإعلام لا يحتاج إلى اختراع جديد، بل إلى شجاعة في تطبيق البديهي.
فلا إعلام بلا حرية ولا إعلام بلا رأيٍ آخر. ولا إعلام بلا تداولٍ شفاف للمعلومات.ولا إعلام يُدار من مكاتب الوزراء ثم نطلب منه أن يكون مستقلاً!
الاعلام لا يحتاج إلى اختراع.. بل إلى شجاعة
كيف يزدهر الإعلام في ظل إقصاء كل من يقول “لا”؟
وكيف ننافس عالمياً، بينما الصوت الواحد يحتكر الشاشة والميكروفون والوجدان؟
المنافسة هي وقود الإعلام، وبدونها تتحول القنوات إلى مرايا تعكس نفس الوجه وتكرر نفس الجملة.
ثم نتحدث عن “الكفاءة”! أي كفاءة وأغلب التعيينات بالواسطة لا بالموهبة؟ أي تطوير والإعلامي الحقيقي يجلس في بيته، بينما من لا يعرف الفرق بين الخبر والرأي يملأ الشاشات ثرثرة؟ الإعلام لا يتطور بالشعارات ولا بالماكياج البرامجي، بل بالحرية، وبالجرأة، وبالاحترام الحقيقي لعقول الناس
.الإعلام الحر ليس خصماً للدولة، بل مرآتها الصادقة.
الإصلاح لن يأتي بتشكيل لجنة جديدة، بل بإرادة صادقة تُعيد للإعلام روحه المفقودة. ابدؤوا من الأساس: افتحوا النوافذ، اسمحوا بدخول الهواء، وامنحوا الكلمة حقها في أن تُقال دون خوف. فالإعلام الحر ليس خصماً للدولة، بل مرآتها الصادقة.
أيها السادة الكرام… طوّروا كما تشاؤون، غيّروا الشعارات والديكورات، لكن تذكّروا: لا حرية… لا إعلام. وإن لم تؤمنوا أن حرية الكلمة هي أول بند في أي تطوير، فأنتم لا تُصلحون الإعلام، أنتم فقط تُجدّدون له شهادة الوفاة.