الصباح اليوم
بوابة الصباح اليوم

أسرار السياسة

ترامب وجائزة نوبل ”بالعافية”.. سلام بالقوة أم عبث بالمعايير؟

ترامب
تقرير يكتبة -صلاح توفيق -

منذ لحظة إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن خطته لفرض "سلام" على الفلسطينيين بمهلة محددة، عاد الجدل ليتجدد حول أحقيته بجائزة نوبل للسلام. هذه الجائزة التي يُفترض أن تُمنح لصانعي السلام الحقيقيين والمبادرين إلى إنهاء النزاعات، تحولت في سياق الحديث عن ترامب إلى أداة سياسية مثيرة للسخرية، إذ كيف يمكن أن يكافأ رجل يُلوّح بالدمار ويمارس الضغط السياسي والاقتصادي والعسكري ليحصل على اتفاق سلام "بالعافية"؟

معايير جائزة نوبل للسلام

مجلس إدارة جائزة نوبل وضع قواعد صارمة منذ أكثر من قرن، تؤكد أن الجائزة تُمنح لمن:

  1. يعمل على تحقيق السلام الفعلي بين الشعوب.

  2. يسهم في حل النزاعات بالطرق السلمية بعيدًا عن الإكراه أو التهديد.

  3. يترك أثرًا إنسانيًا عالميًا يتجاوز الحسابات السياسية الضيقة.

لكن عند مقارنة هذه المعايير بما يقوم به ترامب في ملف فلسطين، يظهر التناقض الصارخ: فبدلاً من أن يكون وسيطًا نزيهًا، اختار لغة الإملاء والمهل الزمنية، رافعًا العصا الغليظة بوجه الفلسطينيين: "إما أن توافقوا الآن، أو تتحملوا التدمير."

"سلام بالإكراه" أم صفقة سياسية؟

جوهر خطة ترامب لا يقوم على السلام بمفهومه الإنساني، بل على صفقة سياسية مشروطة:

  • على الفلسطينيين القبول بمهلة مفروضة، وإلا سيواجهون العواقب المدمرة.

  • يُطرح الأمر على أنه "إنجاز سلام"، بينما هو في الواقع إعادة إنتاج منطق الاستعمار: الأرض مقابل البقاء، والموافقة مقابل النجاة.

هذا الأسلوب لا يختلف كثيرًا عن منطق القوة العسكرية الذي ترفضه المواثيق الدولية، بل يجعل فكرة منح جائزة نوبل في هذه الحالة مثيرة للسخرية: كيف يُكرَّم شخص يستخدم أسلوب التهديد بدل الحوار؟

التناقض بين الخطاب والواقع

ترامب، في خطابه السياسي، يقدم نفسه باعتباره "صانع صفقات" يستطيع أن يُنهي أقدم نزاع في الشرق الأوسط. لكنه يغفل أن السلام ليس صفقة تجارية تُفرض بشروط المنتصر، بل هو عملية تفاوضية تستند إلى الاعتراف بالحقوق والعدالة التاريخية للشعوب.

هنا يكمن جوهر الأزمة: نوبل ليست جائزة لمن يفرض سلامًا مشوّهًا، بل لمن يُعيد الاعتبار إلى الكرامة الإنسانية والعدالة.

جائزة نوبل في ميزان العبث السياسي

منح ترامب نوبل، لو حدث، سيكون تسييسًا فجًا للجائزة وضربة لمصداقيتها التاريخية، لأنها ستكافئ القوة بدلًا من العدالة، والإملاء بدلًا من الحوار. سيصبح الأمر أقرب إلى تكريم منطق "السلام بالقوة" الذي يتنافى مع فلسفة نوبل القائمة على السلام بالرضا.

شهادة وفاة لمصداقية نوبل نفسها.

إذا كانت جائزة نوبل ستُمنح يومًا ما لترامب على خطته في فلسطين، فإنها لن تكون جائزة للسلام، بل شهادة وفاة لمصداقية نوبل نفسها. فالعالم لا يمكن أن يقبل بمنح وسام عالمي لمن يلوّح بالتدمير بدل المصالحة، ويهدد الشعوب بدل احتضانها.

وهكذا، يصبح السؤال المشروع:
هل يمكن للسلام أن يولد من رحم التهديد؟ أم أن جائزة نوبل ستظل – ولو شكليًا – حكرًا على من يزرعون الأمل لا على من يلوّحون بالعنف؟