خداع المكياج وظاهرة التيك توكرز بين الوهم والواقع

يظهرن امامك بشكل مبهر فتنخدع علي الفور ولايدور بخيالك ان ماتراه هو مكياج مضطنع بحرفية عالية وفي الأيام الأخيرة أثارت مواقع التواصل الاجتماعي حالة من الجدل الكبير بعد القبض على عدد من مشاهير "التيك توك" بينهم شاب اشتهر بتقمص شخصية نسائية وأطلق على نفسه اسم "ياسمين" ولقب نفسه بـ"اللي بتخلي الحديد يلين" ليتبين لاحقًا أنه رجل استخدم المكياج والسيليكون ليظهر في هيئة فتاة جميلة ما شكل صدمة لكل من تابع مقاطعه المنتشرة على المنصات الرقمية. هذه الواقعة سلطت الضوء على واحدة من أكثر الظواهر المثيرة للجدل في عصر السوشيال ميديا وهي الخداع بالمكياج والتقنيات التجميلية التي قد تحول ملامح أي شخص إلى صورة مغايرة تمامًا للواقع.
المكياج من وسيلة تجميل إلى أداة خداع
المكياج عبر التاريخ كان وسيلة للتجميل وإبراز الملامح لكن في العصر الحديث ومع تطور مستحضرات التجميل والتقنيات المرافقة له مثل الكونتور والهايلايت والفيلر والسيليكون أصبح بإمكان أي شخص أن يغير شكله بالكامل في دقائق قليلة ما جعل الخداع البصري ظاهرة واسعة الانتشار خصوصًا عبر منصات الفيديو القصيرة مثل تيك توك وإنستغرام.
الواقعة الأخيرة أكدت أن المكياج لم يعد مجرد لمسة جمالية بل تحول أحيانًا إلى أداة تضليل حيث يختفي الوجه الحقيقي خلف طبقات من الألوان والمواد التجميلية لدرجة تجعل من الصعب التمييز بين ملامح الرجل والمرأة.
خداع السوشيال ميديا وصناعة الوهم
منصات التواصل الاجتماعي ساهمت في تضخيم هذه الظاهرة فالفيديوهات القصيرة والمقاطع المصورة المليئة بالمؤثرات البصرية أصبحت بيئة خصبة لترويج صور مزيفة عن الجمال والكمال. بعض "التيك توكرز" استغلوا هذه الأدوات في جذب المتابعين وتحقيق شهرة سريعة حتى وإن كان ذلك على حساب الصدق والواقعية.
المتابعون بدورهم يقعون في الفخ البصري فيصدقون ما يرونه دون أن يدركوا أن وراء الكاميرا تقنيات معقدة من المكياج والإضاءة والفلاتر والبرامج الرقمية. وهنا يصدق المثل الشعبي المصري القديم: "زوق البوصة تبقى عروسة" في إشارة إلى أن المظاهر قد تكون خادعة وأن الشكل المصنوع لا يعكس دائمًا الحقيقة.
المكياج ضرورة للمشاهير
الأبعاد النفسية والاجتماعية
انتشار هذه الظاهرة لا يتوقف عند حدود الخداع البصري بل يمتد إلى آثار نفسية واجتماعية خطيرة. فالكثير من الشباب والفتيات يقعون ضحية لهذه الصور المثالية الوهمية فيشعرون بالنقص وعدم الرضا عن مظهرهم الطبيعي. كما أن البعض قد يدخل في علاقات أو تعاملات مبنية على مظهر مزيف ليتفاجأ لاحقًا بالحقيقة الصادمة وهو ما يؤدي إلى فقدان الثقة وزيادة الإحباط.
علماء الاجتماع يشيرون إلى أن التعلق بالمظاهر الزائفة يخلق مجتمعًا هشًا تغيب عنه القيم الحقيقية مثل الصدق والقبول الذاتي ويغلب عليه سباق لا ينتهي نحو المظاهر والشكل الخارجي.
الجانب القانوني والأمني
قضية "ياسمين" التي تحولت إلى حديث الرأي العام في مصر أعادت النقاش حول ضرورة وضع ضوابط لاستخدام مواقع التواصل الاجتماعي خاصة أن بعض مستخدمي هذه المنصات لا يكتفون بالخداع البصري بل قد يلجؤون إلى أنشطة مخالفة للقانون مثل نشر محتوى خادش أو استغلال المتابعين. السلطات الأمنية بدورها شددت الرقابة مؤخرًا وتمكنت من ضبط العديد من الحسابات التي تمارس الخداع والتضليل تحت ستار المكياج أو تغيير الملامح.
الحاجة إلى الوعي المجتمعي
الوقاية من هذه الظاهرة لا تقتصر على القانون وحده بل تحتاج إلى وعي مجتمعي شامل يبدأ من الأسرة والمدرسة وصولًا إلى الإعلام الذي يجب أن يسلط الضوء على مخاطر الانسياق وراء الصور المزيفة. يجب تعليم الأجيال الجديدة أن الجمال الحقيقي ليس ما تصنعه فرشاة المكياج أو الفلاتر الرقمية بل ما يحمله الإنسان من قيم وأخلاق وصفات داخلية.
الخداع بالمكياج أصبحت واحدة من أبرز ملامح عصر السوشيال ميديا
ظاهرة الخداع بالمكياج أصبحت واحدة من أبرز ملامح عصر السوشيال ميديا حيث يمكن لمستحضرات التجميل وتقنيات التزييف أن تحوّل الرجل إلى امرأة أو العكس وتجعل من الوهم حقيقة افتراضية يصدقها الملايين. لكن خلف هذا البريق الزائف تكمن حقائق مريرة عن ضياع الصدق وانتشار الوهم. وفي النهاية يبقى المثل المصري صادقًا: "زوق البوصة تبقى عروسة" ليحذرنا من الانبهار بالمظاهر ويذكرنا بأن الحقيقة لا تُخفى مهما طال الخداع.