هل ينجو لبنان من شبح الحرب الأهلية؟ صراع السلاح والدولة تحت المجهر… تحليل

يستعد لبنان لدخول مرحلة حرجة للغاية من تاريخه السياسي والأمني، حيث تتقاطع الحسابات الإقليمية مع الانقسامات الداخلية العميقة. في بلد لا يزال يعاني من تداعيات الأزمات الاقتصادية والانهيار المؤسسي، يتباين الرأي حول سلاح حزب الله؛ فبين من يعتبره تهديدًا لسيادة الدولة، ومن يراه خط الدفاع الوحيد لمواجهة إسرائيل، تتصاعد المخاوف من أن أي محاولة حكومية لفرض نزع السلاح قد تُشعل فتيل حرب أهلية جديدة، مما يعيد لبنان إلى دوامة من الصراع والفوضى لم تشهدها البلاد منذ سنوات طويلة.
هل ينجو لبنان من شبح الحرب الأهلية؟ صراع السلاح والدولة تحت المجهر | تحليل
فالجدل حول سلاح حزب الله لم يعد مجرد نقاش سياسي، بل تحوّل إلى أزمة تراها الحكومة أنها تمسّ بنية الدولة اللبنانية الهشة، وتضع القوى السياسية والطائفية أمام اختبار صعب، بداية من ضغوط أمريكية إسرائيلية متزايدة، تمثلت بمذكرة حملها المبعوث الأمريكي توم باراك، تتضمن جدولًا زمنيًا وآلية مقترحة للتنفيذ، بعدما بات سلاح حزب ورقة رئيسية في قلب مفاوضات علنية تقودها واشنطن لنزع سلاح الحزب مقابل انسحاب إسرائيلي من الأراضي التي سيطر عليها الاحتلال الإسرائيلي جراء الحرب المدمرة بين الحزب وإسرائيلي العام الماضي على خلفية الحرب الإسرائيلية في قطاع غزة؛ قد تعيد رسم التوازنات في لبنان، ما طرح تساؤلات بشان مستقبل البلاد، ومصير لبنان بين مطرقة الحزب وسندان إسرائيل وأمريكا.
تهديد ووعيد دون جدوى
وفي ذلك يرى المحلل السياسي اللبناني أسعد بشارة أن السيناريو الوحيد الذي يسير بطريقة ممنهجة لكن ببطء على طريقة الخطوة خطوة هو التوصل إلى سحب سلاح حزب الله وكل سلاح خارج الدولة اللبنانية، وأن ما يجري من تهديد ووعيد من قبل الحزب يمثل خط الدفاع الأخير عن السلاح الذي هو المشروع الوحيد لحزب الله كامتداد لإيران بوظائف إقليمية وداخلية.
ويضيف بشارة ، أن حزب الله ينتقل من حجة إلى حجة أملا في استبقاء سلاحه، وأن حججه تتمثل في مقاومة إسرائيل والدفاع عن لبنان، وهو ما تبين أن جميعها ذرائع واهية بعدما تكبد الحزب هزيمة مروعة أمام إسرائيل.
وتابع، أن الدولة في لبنان ممثلة في الجيش ليس لديها قرار بالصدام العسكري، حيث أن الصدام العسكري ليس لمصلحة حزب الله، والجيش قادر على الإمساك بمفاصل الدولة وتطبيق قرارات الحكومة، لاسترداد السيطرة على جنوب لبنان وإزالة الاحتلال الإسرائيلي من النقاط الخمس وعودة الأسرى، والبدء في إعادة إعمار الجنوب، وكذلك عودة لبنان إلى المجتمع الدولي والعربي اللذين يؤيدان عودة لبنان كدولة طبيعية.
مؤكدًا أن قرار الحكومة بسحب السلاح وبقبول الورقة الامريكية هو الحل الوحيد، بالتزامن مع انسحاب الاحتلال من النقاط الخمس في الجنوب، وعقد مؤتمر دولي لإعادة الإعمار، وتحول حزب الله الى حزب سياسي أسوة بباقي الأحزاب في لبنان.
عودة شبح الحرب الأهلية
رؤية بشارة تتعارض مع ما أعلنه نعيم قاسم زعيم حزب الل اللبناني، وخليفة زعيمه الأسطوري حسن نصر الله الذي اغتالته إسرائيل إبان حربهما الأخيرة، إذ لوح قاسم بعودة شبح الحرب الأهلية إلى بيروت وأنه لن تكون هناك حياة في لبنان إذا سعت الحكومة إلى مواجهة الحزب أو القضاء عليه، وذلك في كلمة متلفزة له.
وقال، نعيم قاسم: "هذا وطننا جميعًا. نحن نعيش بكرامة معًا ونبني سيادته معًا، وإلا فلن يكون للبنان حياة إذا وقفتم مع الجانب الآخر وحاولتم مواجهتنا وإبادتنا"، في إشارة منه إلى الورقة الأمريكية التي تضمنّت مطالب بنزع سلاح حزب الله والفصائل المسلحة كافة في لبنان بشكل كامل قبل نهاية 2025، وتسريع إصلاحات مالية واقتصادية، ومراقبة الحدود والمعابر لضبط التهريب، وإنشاء آلية بإشراف الأمم المتحدة لتأمين إطلاق سراح معتقلين لبنانيين لدى إسرائيل بالتوازي مع تقدّم خطوات نزع السلاح.
جدل نزع سلاح حزب الله
بينما يرى زياد علوش المحلل السياسي اللبناني، أن جدل نزع سلاح حزب الله يعود إلى تطبيق القرارين 1701 و1559، الأمميين، خاصة القرار 1701 الصادر صدر عن مجلس الأمن الدولي 2006، الداعي إلى حل جميع المليشيات اللبنانية ونزع سلاحها، وتأييد بسط سيطرة حكومة لبنان على جميع الأراضي اللبنانية.
وأضاف علوش في تصريحات لـه أنه مع تكليف الجيش اللبناني من قبل الحكومة بوضع خطة لحصر السلاح بيد الدولة بحدود نهاية العام الحالي، لم يعد المشهد في لبنان مجرد خلاف سياسي حول قرار حكومي، بل تحوّل إلى مواجهة مفتوحة تحمل في طياتها رائحة الانفجار الكبير، بعدما عاد الحزب إلى توجيه اتهامات بالتخوين واتهام الخصوم بالعمالة لصالح إسرائيل مؤكدًا تمسكه بترسانته كجزء من "معادلة الردع".
كما أوضح أن لبنان بات بين طريقين، إما المضي في تنفيذ القرار ضمن جدول زمني صارم مهما كانت الكلفة، أو التراجع إلى تسوية مؤقتة تجنب البلاد الانفجار لكنها تؤجل الأزمة، وكلاهما محفوف بالمخاطر، واضعًا 4 سيناريوهات تتنظر بلاد الأرز بشأن مستقبل سلاح الحزب.
أولها يتمثل في نزع السلاح بالكامل وتنسحب إسرائيل من النقاط المتبقية، ويُنجز ترسيم الحدود البرية والبحرية، ما يفتح الباب أمام دعم دولي وخليجي واسع لإعادة إعمار البنية التحتية وإنعاش الاقتصاد، وثانيها يتمثل في تسوية جزئية بتخفيض القدرات العسكرية النوعية لـ "الحزب"، مع بقاء سلاح فردي أو متوسط تحت ترتيبات دفاعية، ودمج جزء من عناصره بالجيش، على أن تقدم إسرائيل تنازلات محدودة ويُمدّد وقف الأعمال العدائية لسنوات، ما يعزز سلطة الدولة جزئيًا ويحافظ لـ "الحزب" على نفوذه السياسي، وهو مرفوض دوليًا حتى الآن.
فيما يأتي السيناريو الثالث بفشل التنفيذ الفعلي لنزع السلاح فيبقى السلاح كما هو وتستمر حالة وقف النار من دون تقدم سياسي أو أمني، واستمرار الجمود والانقسام الداخلي، وتوقف الدعم الدولي، وهو الأكثر خطورة على الوضع اللبناني الحالي، فيما يتثمل السيناريو الرابع بالمواجهة الشاملة، وينطوي على صدام داخلي بين "حزب الله" والجيش أو حرب واسعة مع إسرائيل.
ويستطرد السياسي اللبناني، أن حزب الله برمته يتم استخدامه كورقة ضغط بوجه لبنان وإسرائيل لخدمة تمدد نفوذها وفي مفاوضاتها النووية مع أمريكا والغرب، منوهًا إلى تصريحات أمين عام حزب الله اللبناني عقب زيارة مستشار المرشد الإيراني أمين مجلس الأمن القومي الإيراني علي لاريجاني إلى بيروت، بوجوب استمرار المقاومة ودعم إيران لها.
وعن إمكانية دمج حزب الله في الجيش اللبناني لتفادي المواجهة بين الطرفين، يشير إلى أن ذلك يتطلب وضع خارطة طريق يضعها الجيش اللبناني نفسه بما يحفظ له دوره الوطني في ظل التعدد الطائفي شديد الحساسية، إذ تكمن أزمة استيعاب عناصر الحزب في الجيش في البعد العقائدي وليس السياسي.
حرام أن يكون هذا السلاح متروكًا في المخازن
في حين أنه على المستوى الحكومي الرسمي، يقول رئيس الوزراء اللبناني نواف سلام، أن لا أحد من اللبنانيين يريد أن يرجع إلى الحرب الأهلية، في رد منه على تصريحات الأمين العام للحزب بأن نزع سلاح حزبه يمكن أن يجر البلاد إلى الحرب من جديد، مؤكدًا أن حديث قاسم دعائي تعبوي، وأنه ليس هناك دولة إذا لم يكن عندها حصرية السلاح.
وتابع في تصريحات صحفية سابقة له، أن الحديث عن أن الحزب يرفض تسليم السلاح إلى إسرائيل، أكد أن لا أحد يطالب الحزب بتسليم سلاحه لإسرائيل، وأن الدولة تريد أن تحمي سلاح المقاومة من الضربات الإسرائيلية: “حرام أن يكون هذا السلاح متروكًا في المخازن التي تأتي إسرائيل لضربها.. ما نطلبه هو حصرية السلاح في أيدي الدولة”.
لبنان عرضة لتدخل دولي
بينما يرى حسان قطب، مدير المركز اللبناني للأبحاث والاستشارات السياسية، أن حزب الله هو حزب ديني وليس حزب سياسي، وأنه مشروع ديني وليس مشروع مقاومة، مستخدمًا بذلك مزاعم دعمه للقضية الفلسطينية، وأنه عندما يتحدث حزب الله أو ايران عن فلسطين إنما الحديث يكون شكلي وليس فعلي.
مردفًا، أن حزب الله سيكون بلا فائدة لراعيته إيران حال تم نزع سلاحه كاملا، ما ينذر بإمكانية التخلي عنه من قبل طهران، مستبعدًا إمكانية نشوب حرب أهلية على خلفية أزمة سلاح الحزب قائلا: “الترهيب بموضوع حرب أهلية هذا كلام لا قيمة له لأن لا يوجد فريق ثاني في لبنان يقاتل حزب الله.. والكلام عن قوى أخرى سنية لا قيمة له لا يوجد قوى على الساحة اللبنانية تستطيع أن تقاتل حزب الله”.
وأشار إلى أن الجيش قادر على مواجهة حزب الله عسكريًا عقب الضربات الأخيرة التي تلقاها الحزب من قبل إسرائيل، حيث أن أقصى ما يستطيع الحزب القيام به هو إثارة حالة القلق، ما يضع لبنان أمام منعطف خطير قد يحمل في طياته عدوانا ضخمًا إسرائيليًا حال استمرار السلاح بيد الحزب بالمخالفة لاشتراطات واشنطن وتل أبيب؛ وذلك بذريعة استهداف ما تبقى من قدرات حزب الله.
كما يمكن أن تأخذ الحكومة وقتًا طويلا في تنفيذ قرارها بشأن نزع سلاح الحزب مخافة نشوب صراعات داخلية، ما يجعل لبنان عرضة لتدخل دولي بقيادة أمريكية أوروبية يهدف إلى مساعدة الجيش على حسم هذه المشكلة في الداخل وإلغاء وجود حزب الله العسكري باي طريقة كانت.