الصباح اليوم
بوابة الصباح اليوم

أسرار السياسة

بأمر نتنياهو : تحرك عسكري مفاجئ في السويداء ..رغم الأتصالات السريةبين ”هيئة تحرير الشام” وإسرائيل عبر وساطة إماراتية.

النتن ياهو و محمد الجولاني
-

في تطور ميداني خطير يعكس تصعيدًا جديدًا في المشهد السوري، أصدر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يسرائيل كاتس تعليمات عاجلة للجيش الإسرائيلي بشن ضربات مباشرة ضد مواقع تابعة للجيش السوري في محافظة السويداء جنوبي البلاد، بدعوى تحرك قوات النظام لتهديد الدروز في المنطقة، وهو ما وصفته إسرائيل بأنه "انتهاك صريح لسياسة نزع السلاح التي اتُفق عليها دوليًا".

قنوات اتصال سرية تمت خلال الأسابيع الماضية، بين جهاز الموساد الإسرائيلي وممثلين عن هيئة تحرير الشام

لكن ما وراء هذا التصعيد العسكري يتجاوز التصريحات الرسمية، حيث تكشف مصادر استخباراتية غربية وأخرى داخل أوساط المعارضة السورية عن وجود قنوات اتصال سرية تمت خلال الأسابيع الماضية، بين جهاز الموساد الإسرائيلي وممثلين عن هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقًا) بقيادة أبو محمد الجولاني، وذلك عبر وساطة إماراتية غير معلنة، هدفها إعادة رسم موازين القوى في الجنوب السوري، خاصة في السويداء ودرعا.

خلفيات الصراع في السويداء: توتر طائفي وصراع نفوذ

السويداء وهي ذات الغالبية الدرزية ظلت حتى وقت قريب بمنأى نسبيًا عن أتون الحرب الأهلية السورية، حيث حافظت على صيغة هشة من الحياد بين قوات النظام والفصائل المسلحة. إلا أن الأشهر الأخيرة شهدت تحركات لميليشيات موالية لإيران وحزب الله في محيط المحافظة بشكل مكثف وخصوصًا في منطقة اللجاة، إضافة إلى تحرك وحدات من الفرقة الرابعة التابعة لماهر الأسد المسئول عن الفرقة الرابعة بالجيش السوري ايام حكم الاسد ما أثار استنفارًا بين السكان المحليين وزعامات دينية درزية.

التزام إسرائيلي بجماية أبناء الطائفة الدرزية في سوريا

إسرائيل، من ناحيتها تعتبر هذه التحركات "خطًا أحمر" وذلك حسب ما جاء في البيان الرسمي الصادر عن مكتب نتنياهو، مؤكدًا أن "سلامة أبناء الطائفة الدرزية في سوريا هي التزام إسرائيلي لا رجعة فيه"، وهو ما فُهم على نطاق واسع كذريعة لتوسيع النفوذ العسكري الإسرائيلي في الجنوب السوري.

الاتصالات السرية: وساطة إماراتية وتنسيق بين "تحرير الشام" وإسرائيل

تشير تسريبات استخباراتية حديثة حصلت عليها جهات أوروبية ونشرتها صحف عبرية وأمريكية في وقت سابق إلى أن دولة الإمارات العربية المتحدة لعبت دورًا مركزيًا في ترتيب لقاء غير مباشر بين ضباط إسرائيليين وممثلين عن هيئة تحرير الشام شمال غرب سوري، تم عبر واجهات استخباراتية في إسطنبول وأبو ظبي، بداية من شهر يونيو 2025.

جاء الهدف من هذه القناة السرية، بحسب مصادر مطلعة- كان الاتفاق على فتح جبهة ضغط ضد قوات النظام السوري من جهة إدلب باتجاه الجنوب، بما يخفف الضغط عن جبهة السويداء، ويحول دون أي تقدم عسكري لنظام الأسد نحو مناطق تخضع لحكم فصائل محلية ذات طابع درزي في السويداء السورية

في المقابل، طالبت هيئة تحرير الشام بتعهدات إسرائيلية بعدم استهداف مواقعها في إدلب وجسر الشغور، وتقديم دعم لوجستي استخباراتي محدود، يسمح بمناورة عسكرية مستقبلية ضد قوات النظام في شمال حماة.

الجولاني يحاول التدويل.. والإمارات تدعم إعادة تأهيله

المعروف أن هذه الاتصالات جاءت بعد أشهر من حملة علاقات عامة قادها الجولاني عبر ظهوره بمظهر رجل الدولة المعتدل، في محاولة لكسب الاعتراف الدولي بشرعية سلطته في إدلب. وقد دعمت دوائر إماراتية هذا المسعى، حيث تشير تقارير إلى أن أبو ظبي ترى في الجولاني "حاجزًا سنيًا معتدلاً" أمام التمدد الإيراني في سوريا وفق وجهة نظرها وتحاول تسويقه كبديل عن جماعات المعارضة المتطرفة الأخرى في سوريا.

فتح الباب امام صفقة اقليمية

وفي هذا السياق، سعت الإمارات إلى التوسط بين تل أبيب والجولاني، من أجل بناء تفاهم غير مباشر يخفف من حدة التوتر جنوبًا، ويفتح الباب أمام صفقة إقليمية تشمل ترتيبات في الجنوب السوري، بما في ذلك تعزيز الوجود الإسرائيلي قرب السويداء تحت غطاء "حماية الأقليات".

ردود أفعال داخلية وخارجية وخيانة الثورة السورية

محليًا، أثارت الضربات الإسرائيلية ومزاعم الاتصال بالجولاني استياءً واسعًا داخل صفوف المعارضة السورية، خاصة تلك المنضوية تحت الائتلاف السوري أو الجيش الوطني حيث اعتُبر هذا التقارب "خيانة للثورة" و"اصطفافًا مع محتل خارجي".

في المقابل، رحّبت جهات سياسية إسرائيلية وأمريكية بـ"واقعية الجولاني"، فيما دعت أخرى إلى الحذر من التعامل معه نظرًا لتاريخه في الإرهاب وارتباطه السابق بتنظيم القاعدة.

من جهتها، لم تعلّق وزارة الدفاع الإماراتية رسميًا على هذه الوساطة، فيما نفت هيئة تحرير الشام "أي تواصل مباشر مع جهات خارجية معادية للمسلمين"، في بيان مقتضب نُشر عبر معرفات مقربة من التنظيم.

هل تتغير خرائط التحالفات في سوريا؟

تشير هذه التطورات إلى أن خارطة التحالفات في سوريا تتجه نحو إعادة تشكيل غير مسبوقة، تتداخل فيها المصالح الإسرائيلية والخليجية والمعارضة المسلحة، في ظل تراجع نفوذ بعض اللاعبين الدوليين كتركيا وروسيا وانشغال الولايات المتحدة بملفات انتخابية داخلية.

وقد يكون هذا التقارب الإسرائيلي-الجهادي، إن ثبت وتكرّر، بداية مرحلة جديدة في الحرب السورية، عنوانها الأبرز: البراغماتية العسكرية فوق كل شيء.