الجراح الذي قتلته دمعة أمٍّ.. قصة مهدي العراقي الذي لم يحتمل فقدان والدته

في أحد شوارع العراق وبين زحام المارة وهدير السيارات يمر رجل في منتصف عمره يحمل بيده قلمًا يكتب به على الجدران كلمات بسيطة لكنها تفيض ألمًا وندمًا
يكتب أحبك أمي سامحيني
ظنّه البعض مجنونًا أو مشردًا لا مأوى له ولكن الحقيقة كانت أكثر قسوة إنه الدكتور مهدي الجراح العراقي المعروف سابقًا في مستشفيات بغداد رجل كان يُشار إليه بالبنان في عالم الطب والجراحة إلى أن سقط في هوّة لم يخرج منها يومًا
ماتت أمه علي يدية أثناء عمل جراحة لها
في عام ألف وتسعمئة وخمسة وتسعين دخل الدكتور مهدي غرفة العمليات ليس لإجراء عملية كبرى لأحد المسؤولين أو كبار رجال الدولة بل لإنقاذ والدته التي كانت تعاني من حالة طبية حرجة أصر أن يكون هو من يجري لها الجراحة بنفسه بحب الابن وثقة الطبيب
دخل الجراح بيد مرتجفة لكنه أمل أن يخرج بوجه أمه مبتسمًا ينتظر دعاءها له بعد نجاح العملية لكنه خرج هذه المرة بعيون دامعة وقلب مكسور إذ أن قلب والدته توقف خلال الجراحة وفارقت الحياة وهي بين يديه
لم يتحمل مهدي الصدمة ولم يعد بعدها كما كان
توقفت حياته تمامًا لم يعد يفتح عيادته ولم يعد يذهب إلى المستشفى أصبح يمشي في شوارع الحي كل يوم دون هدف يرتدي ملابس بسيطة ويكتب على جدران البيوت أحبك أمي سامحيني
أهل منطقته يعرفونه جيدًا يحترمونه لا يسخر منه أحد بل يشفقون عليه ويدعون له
تحوّلت حياته إلى حالة دائمة من الحزن والندم رغم أن الجميع يعلم أن ما حدث لم يكن خطأ منه بل قضاء الله وقدره
السنوات لم تستطيع علاج حالة الدكتور مهدي
ورغم مرور سنوات طويلة على تلك الحادثة إلا أن الدكتور مهدي ما زال يعيش بين الناس بجسده لكن قلبه ما زال هناك في غرفة العمليات يوم فقد أحب الناس إليه
نعمة الأم التي لا يدرك قيمتها إلا من فقدها
الأم هي النعمة التي لا يدرك قيمتها إلا من فقدها وكل كلمة كتبها مهدي على الجدران كانت شهادة حب وعجز وندم في آن واحد
رحم الله أمهاتنا جميعًا وبارك في أعمار من لا زلن على قيد الحياة وأسكن الراحلات منهن الفردوس الأعلى
وتبقى قصة الدكتور مهدي درسًا مؤلمًا عن الحب الصادق عن وجع الفقد عن أناس كسرهم الحزن بصمت ولم نسمع صوتهم