”الدفعة المنكوبة”... عندما تحوّل وعد التعيين إلى مقصلة بيروقراطية تقصي العقول وتزن الأجساد!

في بلدٍ أنهكته الأزمات وتعلّق شبابه بأي بارقة أمل، جاءت مسابقة الـ 30 ألف معلم بوعد رئاسي لتكون طوق نجاة من جحيم البطالة. حلمٌ لم يكد يبدأ حتى تحوّل إلى كابوس إداري مرعب، أطاح بأحلام آلافٍ من خريجي كليات التربية بعد اجتيازهم اختبارات الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة بجدارة، ليجدوا أنفسهم فجأة في مواجهة اختبارات هيئة عسكرية لم تُذكر يومًا في شروط المسابقة.
أُعلنت المسابقة في يونيو 2022، وبدأ المتقدمون في إعداد أوراقهم وخوض اختبارات صارمة في القدرات التربوية واللغة والمقابلات الشخصية، نجح فيها الآلاف. لكن ما لم يكن في الحسبان، أن يتم استدعاؤهم إلى الكلية الحربية، حيث خضعوا لاختبارات بدنية وطبية صارمة تشبه شروط القبول في الكليات العسكرية، وليس في وظيفة "معلم ابتدائي".
الصدمة: الوزن والحمل والأنيميا... أسباب للاستبعاد!
عشرات القصص المؤلمة خرجت من داخل لجان الهيئة: شاب ناجح يُقصى لأن وزنه "زاد 10 كيلوجرامات"، معلمة حُرمت من التعيين لأنها "حامل"، وآخرون استُبعدوا بسبب "أنيميا" يمكن علاجها خلال أسابيع. لم يكن هؤلاء فاشلين علميًا، بل نالوا أعلى الدرجات، لكنهم سقطوا في فخ "شروط لم تُذكر".
"أنا ناجح... لكن وزني أفسد مستقبلي!"، "اجتزت كل شيء، ورفضوني لأنني حامل!"، "ابني سألني ليه ماما مش هتشتغل؟ وأنا عاجزة عن الرد"، تلك مجرد نماذج لصراخ آلاف المعلمين والمعلمات الذين خرجوا من لجان الهيئة بقلوبٍ محطمة ودموع لا تجف.
من المسؤول؟ ولماذا الصمت؟
زاد الطين بلة حين خرج المتحدث باسم وزارة التعليم، شادي زلطة، ليعلن أن "اختبارات الكلية الحربية كانت إجراءً روتينيًا"، نافيًا وجود أي استبعاد على أساس الوزن أو الصحة. لكن الفيديوهات، والصور، وشهادات المعلمين، أثبتت أن الاستبعاد كان ممنهجًا وظالمًا.
"الوزن الزائد"، "الحمل"، و"الأنيميا" أصبحت بمثابة مقصلة أُعدت خصيصًا لإقصاء آلاف المستحقين. فهل نحن أمام مسابقة لاختيار ضباط صف؟ أم أننا نبحث عن معلمين لعقول أطفال في المدارس؟
صمتٌ برلماني ونقابي مخزٍ
رغم مرور أكثر من عامين على الأزمة، لم تُعقد جلسة واحدة في البرلمان لمناقشة الكارثة، ولم تتحرك النقابة إلا بتصريحات خجولة. أما وزارة التعليم، فاكتفت بالتضليل، ورفضت شرح موقفها أو نشر المعايير التي اعتمدت عليها في الإقصاء.
المعلمون استنزفوا مدخراتهم، واستدانوا لدفع مصاريف المسابقة، وتعرض كثير منهم لانهيارات نفسية وأزمات صحية. بل إن البعض فقد حياته قهرًا، أو دخل المستشفيات إثر التخسيس القاسي الذي فُرض عليهم.
مطالب واضحة... وصوت لا يجب أن يُكتم
يطالب المتضررون بما يلي:
-
إعادة فتح ملفات المستبعدين.
-
إعادة تقييم الحالات وفقًا لمعايير المهنة لا اللياقة البدنية.
-
تعيين من اجتازوا اختبارات الجهاز المركزي بنجاح.
-
إصدار بيان رسمي واضح يشرح الموقف بشفافية.
-
محاسبة المسؤولين عن تعمد تجاهل المعايير المُعلنة.
صرخة من القاع: نحن لسنا مجرد أوزان!
أحد المعلمين صرخ في مؤتمر صغير قائلاً:
"كفاية نُقاص بالأرقام... أنا مش كيلو لحم، أنا عقل وضمير ودم وعرق!".
وأخرى كتبت على لافتتها أمام الوزارة:
"أنا حامل... مش فاشلة!"
جريمة تربوية وأخلاقية بكل المقاييس
ما حدث في "الدفعة الأولى المنكوبة" ليس مجرد خطأ إداري، بل جريمة تربوية وأخلاقية بكل المقاييس. استبعاد آلاف الكفاءات لأسباب بدنية تمييز فجّ يُخالف الدستور، ويهدم ما تبقى من ثقة المواطن في مؤسسات الدولة.