زلزال اقتصادي يلوح في الأفق.. هل تتحول الحرب التجارية بين أمريكا والصين إلى حرب باردة شاملة؟- صراع يتجاوز التجارة

في مشهد يعيد إلى الأذهان ذكريات الكساد الكبير وأزمات الدين السيادي، تتصاعد مؤشرات الخطر في الأسواق العالمية وسط توتر تجاري غير مسبوق بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين. ومع دخول الرسوم الجمركية الجديدة حيز التنفيذ، وتصاعد العجز الأمريكي، بدأت الأصوات الاقتصادية تحذر من "زلزال مالي" قد تتجاوز تداعياته أزمة 2008 الشهيرة.
ففي ظل استمرار الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي في رفع معدلات الفائدة، وتصاعد الحديث عن أزمة ثقة في سندات الخزينة الأمريكية، يرى خبراء اقتصاد فرنسيون أن العالم يقف على أعتاب كارثة مالية جديدة، يكون محورها هذه المرة العملة الأمريكية ذاتها.
انهيار الثقة في سندات الخزينة.. خطر قادم من الشرق
بحسب "جون بارتيليمي"، خبير الاقتصاد الكلي في معهد الدراسات المستقبلية بباريس، فإن "سندات الخزينة الأمريكية لم تعد بنفس جاذبيتها السابقة، وإذا قررت بكين أو طوكيو التخلي عن جزء من حيازاتهما، فستتجه الأسواق نحو اضطراب شامل قد يهز استقرار النظام المالي العالمي".
وقد بدا هذا السيناريو أقرب إلى الواقع مع القفزة الكبيرة في عوائد السندات الأمريكية طويلة الأجل، حيث ارتفع العائد على سندات الثلاثين عامًا من 4.4% إلى 5% خلال أيام، وهو تسارع لم يحدث منذ أكثر من 25 عامًا، في حين زاد العائد على سندات العشر سنوات بـ55 نقطة أساس في ثلاث جلسات فقط.
أزمة الديون تهدد السيادة الاقتصادية الأمريكية
في تصريحات لافتة، حذرت "كلير دوبوا"، أستاذة الاقتصاد بجامعة السوربون، من أن "العجز الفيدرالي الأمريكي بلغ مستويات لا يمكن الاستمرار بها دون إشعال فتيل أزمة ديون سيادية". وبحسب ماذكرت "، فإن بوادر هذا الانفجار بدأت في الظهور بالفعل على شاشات البورصات العالمية.
وفي هذا السياق، يرى "باتريك أرتوان" من مركز CEPII الفرنسي أن "زيادة تكلفة خدمة الدين العام الأمريكي نتيجة رفع الفائدة تضغط على الميزانية العامة، ما يجعل الوصول إلى نقطة اللاعودة الاقتصادية مسألة وقت فقط".
تداعيات أوروبية.. هل تهب العاصفة من واشنطن إلى باريس؟
لا تبدو أوروبا بمنأى عن هذه الأزمة المتصاعدة. فالاعتماد المتبادل على الدولار يربط الأسواق المالية الأوروبية بمصير الدين الأمريكي. ويؤكد أرتوان أن أي اضطراب في سوق سندات الخزينة الأمريكية سيؤثر على اليورو، ويدفع البنك المركزي الأوروبي لمراجعة سياساته النقدية.
وفي ظل عجز الميزانية وتباطؤ النمو في دول مثل فرنسا، قد تؤدي أزمة في الدولار إلى تضخم مرتد، أو حتى شح في السيولة على مستوى البنوك المركزية الأوروبية.
الفصل الاقتصادي الأمريكي الصيني.. صراع يتجاوز التجارة
وبينما يبدو الصراع في ظاهره اقتصاديًا، إلا أن جوهره أكثر عمقًا. فبحسب "ريك ووترز"، الدبلوماسي الأمريكي السابق، فإن "واشنطن وبكين دخلتا في حالة فصل اقتصادي هي الأكبر منذ عقود، ولا توجد آلية حقيقية تمنع تحول التوترات إلى صراع جيوسياسي واسع".
وبالفعل، بدأت الصين في اتخاذ إجراءات هجومية، منها تقييد صادرات المعادن النادرة، وتحركات لتعزيز نفوذها في المحيطين الهندي والهادئ، بينما تلوّح واشنطن بفرض قيود أوسع على شركات التكنولوجيا الصينية.
تحالفات اقتصادية.. أمريكا تضغط والصين تناور
وفي محاولة لعزل الصين، تسعى الولايات المتحدة لتكوين تحالف يضم أكثر من 70 دولة لتقييد التجارة والاستثمار مع بكين. لكن تنفيذ ذلك يواجه تحديات كبيرة، خاصة في آسيا، حيث تعتمد دول كثيرة اقتصاديًا على الصين.
وفي المقابل، تعزز بكين شراكاتها مع دول جنوب شرق آسيا وأوروبا، وسط تراجع ثقة بعض الحلفاء الأوروبيين في سياسات واشنطن تجاه الملفات الكبرى مثل أوكرانيا.
مستقبل غامض.. هل نحن أمام أكبر حرب تجارية في التاريخ؟
تقول "يون سون"، مديرة برنامج الصين في مركز ستيمسون، إن ما يحدث اليوم يمثل "أكبر حرب تجارية في التاريخ"، مضيفة أن "خطر خروج الأزمة عن السيطرة مرتفع جدًا".
وفي ظل كل هذه المؤشرات المتسارعة، يبدو أن العالم قد دخل بالفعل مرحلة "حرب باردة اقتصادية"، تضع النظام المالي العالمي على المحك، وتهدد بإعادة تشكيل خريطة الاقتصاد الدولي لعقود قادمة.