انفجار السخط في قلب الجيش.. الاحتياط يرفضون الاستدعاء والجدار الخلفي لإسرائيل يبدأ بالتصدع
في قلب المؤسسة التي طالما قُدّمت بوصفها الأكثر تماسكًا في إسرائيل، تتكشف اليوم ملامح أزمة غير مسبوقة. لم تعد الحرب على غزة مجرد مواجهة عسكرية خارجية، بل تحولت إلى عبء داخلي ثقيل يضغط على المجتمع والجيش معًا، ويهدد ما يُعرف داخل الأدبيات الأمنية الإسرائيلية بـ«الجدار الخلفي» الذي يقوم عليه استمرار القتال.
الاحتياط، العمود الفقري لأي حرب طويلة، باتوا الحلقة الأضعف في المعادلة، مع تصاعد غير مسبوق في حالات رفض الاستدعاء، وظهور خطاب علني يعلن أن الكلفة الإنسانية والاقتصادية والنفسية أصبحت أكبر من القدرة على الاحتمال.


تصدّع الجدار الخلفي
تكشف الأزمة المتصاعدة داخل الجيش الإسرائيلي عن شرخ عميق في منظومة الصمود الداخلي. فالسخط لم يعد همسًا في الغرف المغلقة، بل تحوّل إلى رفض واضح وعلني للخدمة الاحتياطية، في مؤشر على تراجع الروح المعنوية وانهيار الثقة في القيادة السياسية والعسكرية.
هذه ليست حالات فردية معزولة، بل ظاهرة آخذة في الاتساع، تهدد بتحويل «الصدمة الجماعية» التي خلّفتها حرب غزة إلى زلزال داخلي يضرب أساسات المؤسسة العسكرية، ويضع إسرائيل أمام اختبار لم تعهده منذ عقود.
شهادة من الداخل: «العبء لم يعد يُحتمل»

صحيفة يديعوت أحرنوت العبرية نقلت شهادة صادمة لجندي احتياطي في وحدة مدرعة أمضى نحو 350 يومًا في الخدمة منذ بداية الحرب، أعلن بوضوح أنه لن يستجيب للاستدعاء القادم في فبراير.
الجندي، الذي فضّل عدم الكشف عن هويته، لخّص المأزق بقوله:
«لدينا حروب نخوضها في الداخل… هناك من فقدوا وظائفهم، وآخرون بالكاد تستطيع أسرهم توفير الاحتياجات الأساسية، أو انقطعوا عن الدراسة لفترات طويلة. إنها مشكلة معقدة يصعب وصفها».
الأخطر في حديثه أنه أكد أن غالبية زملائه اتخذوا القرار ذاته، في تحول جذري عن أجواء التعبئة التي سادت بعد 7 أكتوبر، مضيفًا:
«الوضع الآن ليس أبيض أو أسود… لا نفهم الهدف، ولا إلى أين نمضي. أمامنا سنوات طويلة من الاحتياط، ونعلم أن الحروب لن تنتهي».
كلفة الحرب خارج الجبهة
الحرب لم تكتفِ باستنزاف الجنود ميدانيًا، بل امتدت آثارها إلى تفاصيل حياتهم اليومية، لتخلق أزمة متعددة الأبعاد:
-
خسائر اقتصادية: فقدان وظائف، تراجع الدخل، وتعثر القدرة على إعالة الأسر.
-
أزمات تعليمية ومهنية: انقطاع طويل عن الدراسة والتطوير المهني، ما يهدد المستقبل الوظيفي لآلاف الجنود.
-
إرهاق نفسي عميق: صعوبة التأقلم بين ساحات القتال والحياة المدنية، وتراكم أعراض القلق والاكتئاب.
-
تفكك اجتماعي: توتر داخل العائلات، وشعور دائم بعدم الاستقرار.
لكن الأخطر، بحسب الشهادات، هو الإحساس بالتخلي.

«نشعر أننا وحدنا»
أبرز ما كشفه التقرير هو الشعور العميق لدى جنود الاحتياط بأنهم تُركوا وحدهم في مواجهة العبء. أزمة إعفاء المتشددين (الحريديم) من التجنيد تحولت إلى عامل تفجير إضافي، إذ يرى الجنود أن الدولة تطالبهم بالتضحية دون توزيع عادل للأعباء.
هذا الإحساس بعدم العدالة يولّد غضبًا مكتومًا، ويقوّض الثقة في الحكومة والمؤسسة السياسية، ويحوّل الالتزام الوطني من «واجب مقدس» إلى عبء قسري.
تداعيات خطيرة على الجاهزية العسكرية
يحذر مراقبون من أن اتساع ظاهرة رفض الاستدعاء قد يقود إلى نتائج خطيرة، أبرزها:
-
إضعاف القدرة العملياتية للوحدات القتالية.
-
زيادة الضغط على الجنود الملتزمين، ما قد يدفعهم بدورهم إلى الانسحاب.
-
تراجع حاد في الروح المعنوية داخل الجيش ككل.
-
تآكل الردع مع انكشاف أزمة القوى البشرية.
ويأتي ذلك في وقت يعترف فيه الجيش الإسرائيلي بحاجته الماسة إلى تجنيد آلاف الجنود الجدد، بما في ذلك من فئة الحريديم، في إقرار ضمني بأن حرب غزة استنزفت الاحتياط إلى حدود خطرة.
أزمة تتجاوز غزة
ما يجري اليوم داخل الجيش الإسرائيلي لا يمكن فصله عن السياق الأوسع لحرب طويلة بلا أفق سياسي واضح. انفجار السخط في صفوف الاحتياط ليس مجرد تمرد مؤقت، بل إنذار استراتيجي بأن الجبهة الداخلية بدأت تتصدع.
إذا استمر هذا المسار، فإن إسرائيل قد تجد نفسها أمام معضلة غير مسبوقة: جيش قوي تقنيًا، لكنه منهك بشريًا، ومجتمع لم يعد قادرًا على تحمّل كلفة حروب مفتوحة النهاية. عندها، لن يكون السؤال فقط عن نتائج المعركة في غزة، بل عن قدرة «الجدار الخلفي» نفسه على الصمود.
















