اختفاء غامض لنقيب لبناني متقاعد يفتح ملفًا استخباراتيًا شديد الحساسية
تحقيقات لبنانية ترجّح تورط أجهزة إسرائيلية وارتباط القضية بملف رون أراد
في تطور أمني وقضائي بالغ الخطورة، تكثّف الأجهزة اللبنانية تحقيقاتها لكشف ملابسات اختفاء النقيب المتقاعد في الأمن العام أحمد علي شكر، في قضية تتجاوز البعد الجنائي التقليدي، لتلامس ملفات استخباراتية شديدة التعقيد تعود إلى عقود مضت.
وبحسب مصادر قضائية وأمنية لبنانية، فإن الاتصال انقطع بالنقيب المتقاعد منذ أكثر من أسبوع في منطقة البقاع الأوسط، وسط شبهات قوية بأن عملية خطف منظم نفذتها أجهزة استخبارات إسرائيلية، في سيناريو يعيد إلى الأذهان مراحل سابقة من الصراع الأمني الخفي بين لبنان وإسرائيل.

استدراج معقّد قبل الاختفاء
نقلت قناة العربية/الحدث عن مصدر قضائي لبناني أن التحقيقات الأولية ترجح أن شكر استُدرج من بلدة النبي شيت، حيث يقيم، إلى أعالي زحلة، قبل أن يختفي في عملية وُصفت بأنها “احترافية ذات طابع استخباراتي”.
ويعزز هذا السيناريو ما كشفته التحريات حول دخول مجموعة مشبوهة إلى مطار بيروت الدولي قبل يومين فقط من الحادثة، ما يشير إلى تخطيط مسبق وتنفيذ دقيق، وليس إلى حادث عرضي أو جريمة محلية.
إشارات هاتفية قصيرة ثم صمت كامل
وفق ما أوردته صحيفة الديار اللبنانية، فإن التحقيقات التقنية، ولا سيما تتبع الاتصالات، رصدت إشارة لهاتف شكر لمدة 37 ثانية فقط في منطقة الصويري بالبقاع، قبل أن تنقطع كليًا.
ويرى خبراء أمنيون أن هذا النمط يعكس اختطافًا فوريًا ومحكمًا، غالبًا ما يُستخدم في العمليات الاستخباراتية، حيث يتم تعطيل الاتصال فور السيطرة على الهدف، مع ترجيحات بنقله سريعًا خارج الأراضي اللبنانية.

فرضية العبور غير الشرعي
مصادر أمنية تحدثت لصحيفة الشرق الأوسط أكدت أن شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي ركزت على كاميرات المراقبة وتحليل حركة الاتصالات، ليتبين أن شكر غادر بلدته بحجة “الاطلاع على قطعة أرض للشراء في زحلة”، برفقة شخص من عائلة كساب، قبل أن يفقد الاتصال بهما معًا.
وتشير المعطيات إلى احتمال أن تكون قوة خاصة قد دخلت من الحدود الشرقية، ربما عبر منطقة جبل الشيخ، قبل نقل شكر إلى داخل إسرائيل، في حال ثبتت فرضية الخطف الاستخباراتي.
خيط قديم يقود إلى رون أراد
الأخطر في القضية، وفق مصادر قضائية لبنانية، هو ترجيح ارتباط اختفاء شكر بملف الطيار الإسرائيلي رون أراد، الذي فُقد في جنوب لبنان عام 1986، ويُعد أحد أكثر الملفات حساسية في العقيدة الأمنية الإسرائيلية.
وتشير التحقيقات إلى أن شكر ينتمي إلى عائلة فؤاد شكر، القيادي البارز في حزب الله الذي اغتيل في غارة إسرائيلية في يوليو/تموز 2024، ما يضعه – من وجهة نظر إسرائيلية – ضمن دائرة الاشتباه غير المباشر بهذا الملف التاريخي.
كما كشفت مصادر مقربة من العائلة أن أحمد شكر هو شقيق حسن شكر، أحد عناصر حزب الله الذين قُتلوا عام 1988، وكان ضمن مجموعة تحت قيادة مصطفى ديراني، التي شاركت في القبض على رون أراد عام 1986، ونقله أولًا إلى مخبأ في قرية النبي شيت قبل اختفائه النهائي.

سويديون في دائرة الشبهات
التحقيقات كشفت أيضًا عن وصول شخصين يحملان الجنسية السويدية، أحدهما من أصل لبناني، إلى بيروت قبل أيام من اختفاء شكر. وغادر أحدهما لبنان يوم الحادثة، بينما لم يُرصد خروج الآخر عبر أي معبر رسمي، ما يعزز فرضية الفرار غير الشرعي بعد تنفيذ المهمة.
قلق سياسي وأمني متصاعد
في ظل غياب أي إعلان رسمي عن الجهة المنفذة، وجّه أهالي بلدة النبي شيت نداءً عاجلًا إلى:
-
جوزيف عون رئيس الجمهورية
-
نبيه بري رئيس مجلس النواب
-
نواف سلام رئيس الحكومة
مطالبين بتحرك فوري لكشف مصير ابنهم، محذرين من أن استمرار الغموض يعمّق الشعور بوجود اختراق أمني خطير.
مؤشرات مقلقة
يرى مراقبون أن اختفاء شكر، إذا ثبتت فرضية ضلوع الموساد فيه، قد يمثل حلقة جديدة في سلسلة عمليات استخباراتية إسرائيلية داخل لبنان، تحت ذريعة “ملفات أمنية قديمة”، ما ينذر بإعادة البلاد إلى أجواء الاغتيالات والاختطافات التي ميّزت مراحل سابقة من الصراع.

وفي انتظار نتائج التحقيقات النهائية، تبقى القضية مفتوحة على احتمالات خطيرة، تتجاوز شخصًا واحدًا، إلى توازنات أمنية وسيادية في بلد يعاني أصلًا من هشاشة داخلية وضغوط إقليمية متصاعدة.













