احتجاجات الحريديم تشل وسط إسرائيل.. «التيار المقدسي يرفض التجنيد
«التيار المقدسي» يكشف عمق نفوذ الجماعات الدينية على القرار السياسي

شهدت إسرائيل، اليوم الإثنين، تصعيدًا جديدًا في أزمة التجنيد الإجباري، بعدما أقدم متظاهرون من اليهود الحريديم على إغلاق شارع 4 الحيوي في منطقة بني براك وسط البلاد، في خطوة احتجاجية تعكس حجم التوتر المتصاعد بين التيارات الدينية المتشددة والمؤسسة العسكرية والسياسية الإسرائيلية.
وبحسب وسائل إعلام عبرية، فإن المتظاهرين ينتمون إلى ما يُعرف بـ «التيار المقدسي»، أحد أكثر تيارات الحريديم تشدّدًا ورفضًا للدولة ومؤسساتها، حيث أغلقوا الطريق في الاتجاهين بين مفرق «ألوف سديه» ومفرق «أم همشبوت»، ما أدى إلى شلل مروري واسع، فيما جرى تحويل حركة السير المتجهة جنوبًا نحو بيتح تكفا.
الشرطة الإسرائيلية: التظاهرة «غير قانونية»
أعلنت الشرطة الإسرائيلية أن التظاهرة غير قانونية، مؤكدة انتشار قواتها في المكان لتوجيه حركة المرور إلى طرق بديلة، مع مطالبة السائقين بتجنب المنطقة.
وقالت الشرطة في بيان رسمي:
«شرطة إسرائيل ترى في حق التظاهر حجر أساس في دولة ديمقراطية، وتسمح بالاحتجاجات ما دامت ضمن إطار القانون، لكنها لن تسمح بالإخلال بالنظام العام أو المساس بحرية الحركة أو تعريض سلامة الجمهور للخطر».
غير أن تكرار هذه الاحتجاجات يكشف عن عجز مزمن في التعامل مع جماعات دينية تمتلك نفوذًا سياسيًا يجعل الدولة في كثير من الأحيان أسيرة توازنات داخلية حساسة.

من هم الحريديم؟ ولماذا يرفضون التجنيد؟
الحريديم هم اليهود المتدينون المتشددون، ويشكلون ما يقرب من 13–15% من سكان إسرائيل، ويتمسكون بنمط حياة مغلق قائم على:
-
دراسة التوراة والتلمود
-
الفصل الصارم بين الجنسين
-
رفض القيم العلمانية الحديثة
ويعتقد الحريديم أن:
-
الدراسة الدينية تعادل الخدمة العسكرية
-
الانخراط في الجيش يهدد «نقاء العقيدة»
-
الدولة الإسرائيلية كيان دنيوي لا يمثل «الخلاص الإلهي»
ولهذا يرفضون قانون التجنيد الإجباري، الذي تسعى الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة إلى فرضه عليهم، خاصة في ظل:
-
النقص الحاد في أعداد الجنود
-
الحرب الممتدة على غزة
-
تصاعد التوترات الإقليمية
«التيار المقدسي».. فكر رافض للدولة من الأساس
يُعد التيار المقدسي (פלג הירושלמי) من أكثر التيارات الحريدية تطرفًا، وينطلق من أفكار تقوم على:
-
رفض شرعية الدولة الإسرائيلية نفسها
-
رفض الكنيست والقوانين المدنية
-
اعتبار الجيش «مؤسسة آثمة»
-
مقاطعة الانتخابات والعمل السياسي الرسمي
ويرى هذا التيار أن:
الخضوع لقوانين الدولة، وعلى رأسها التجنيد، يمثل خيانة للعقيدة اليهودية.
ولذلك يلجأ أتباعه إلى:
-
العصيان المدني
-
إغلاق الطرق
-
الاشتباك مع الشرطة
-
تحدي قرارات المحاكم
تأثير الحريديم على القرار السياسي في إسرائيل

رغم رفض بعض التيارات الحريدية للدولة، فإن الأحزاب الحريدية مثل:
-
شاس
-
يهدوت هتوراه
تلعب دورًا محوريًا في تشكيل الحكومات الإسرائيلية، حيث:
-
لا يكتمل أي ائتلاف حاكم دون دعمهم
-
يبتزون الحكومات بملف التجنيد والميزانيات
-
يفرضون أجندتهم الدينية مقابل الاستقرار السياسي
وقد أدى هذا النفوذ إلى:
-
تعطيل تمرير قانون تجنيد موحد
-
إسقاط حكومات سابقة
-
شلل تشريعي متكرر
حتى بات ملف التجنيد أحد أخطر الألغام السياسية داخل إسرائيل.
مفارقة كبرى: حرب بلا إجماع داخلي

تكشف احتجاجات بني براك عن مفارقة عميقة داخل المجتمع الإسرائيلي:
-
دولة تخوض حربًا مفتوحة
-
وجيش يطالب بالمزيد من الجنود
-
مقابل فئات دينية ترفض القتال تمامًا
وهو ما يطرح تساؤلات خطيرة حول:
-
وحدة الجبهة الداخلية
-
عدالة تقاسم الأعباء
-
مستقبل العقد الاجتماعي الإسرائيلي
قراءة تحليلية: أزمة هوية لا مجرد قانون
ما يحدث ليس مجرد خلاف على قانون تجنيد، بل هو:
-
صراع بين «الدولة الدينية» و«الدولة المدنية»
-
مواجهة بين منطق السلاح ومنطق النص المقدس
-
اختبار حقيقي لقدرة إسرائيل على فرض القانون على جميع مواطنيها
وفي ظل تصاعد نفوذ الحريديم ديموغرافيًا وسياسيًا، تبدو إسرائيل مقبلة على:
-
مزيد من الانقسامات الداخلية
-
صدامات متكررة في الشارع
-
أزمات سياسية قد تتجاوز حدود التجنيد
رسالة سياسية ودينية قوية تعكس عمق الانقسام داخل إسرائيل
إغلاق شارع 4 في بني براك ليس حدثًا مروريًا عابرًا، بل رسالة سياسية ودينية قوية تعكس عمق الانقسام داخل إسرائيل.
فبين جيش يبحث عن الجنود، وجماعات دينية ترفض الدولة نفسها، تقف الحكومة الإسرائيلية عاجزة، أسيرة تحالفات سياسية تجعل القانون خاضعًا للتوازنات لا للسيادة.












