الخط الأصفر في غزة.. ماذا يعني «التطهير الكامل»؟ قراءة معمّقة في إعلان الجيش الإسرائيلي
بعد مرور شهرين ونصف على دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيّز التنفيذ، عاد مصطلح «الخط الأصفر» إلى واجهة المشهد الأمني في قطاع غزة، عقب إعلان مصدر عسكري إسرائيلي اكتمال ما وصفه بـ«عملية تطهير المنطقة بأكملها» على طول هذا الشريط، في تطور يعكس قراءة إسرائيلية جديدة لميزان السيطرة الميدانية، ويطرح في الوقت ذاته أسئلة جوهرية حول حقيقة الوضع على الأرض ومستقبل القطاع.
ما هو الخط الأصفر ولماذا يحظى بهذه الأهمية؟
يمثل «الخط الأصفر» تسمية عسكرية إسرائيلية لمناطق عازلة داخل قطاع غزة، تمتد بمحاذاة حدود المناطق التي تسيطر عليها إسرائيل، وتُعدّ من وجهة النظر الأمنية الإسرائيلية نطاقًا حيويًا لعمليات الرصد والمنع والاستباق.
وتكمن أهميته في كونه:
-
حزامًا أمنيًا متقدمًا يمنح إسرائيل عمقًا تكتيكيًا.
-
ساحة عمليات لتدمير البنى التحتية للفصائل المسلحة فوق الأرض وتحتها.
-
ورقة ضغط سياسية وأمنية تُستخدم في تقييم التزام الأطراف بوقف إطلاق النار.
-

إعلان «التطهير» بالأرقام
بحسب ما نقلته القناة 12 الإسرائيلية، فإن إعلان اكتمال عمليات التطهير يعني عمليًا أن الجيش الإسرائيلي أنهى نشاطه العسكري المباشر في نحو 52% من مساحة قطاع غزة الخاضعة لسيطرته العملياتية.
وخلال الأشهر الماضية:
-
شاركت ست كتائب من جيش الاحتلال في العمليات داخل الخط الأصفر.
-
تم تدمير عشرات الكيلومترات من البنى التحتية، بما فيها شبكات أنفاق تحت الأرض.
-
شهد الأسبوع الأخير وحده استهداف 90 هدفًا ضمن عمليات وصفها الجيش بـ«المنهجية».
هذه الأرقام تُستخدم إسرائيليًا لتأكيد «الإنجاز الميداني»، لكنها لا تعكس بالضرورة صورة الاستقرار الأمني الشامل.
بين الرواية العسكرية والتحفظات الأمنية
رغم النبرة المتفائلة للجيش الإسرائيلي، لم تُخفِ القناة العبرية وجود تحفظات أمنية جدية. إذ أشار جهاز الشاباك، خلال نقاش أمني داخلي هذا الأسبوع، إلى أن الوضع خارج الخط الأصفر لا يُعد إيجابيًا من منظور إسرائيل.
وبحسب التقييم:
-
حماس ما زالت تحتفظ بقدرتها على فرض السيطرة داخل مناطق واسعة من القطاع.
-
البنية التنظيمية والعسكرية للحركة لم تتفكك بالكامل.
-
هناك قدرة على إعادة الانتشار وإعادة البناء رغم الخسائر.
هل اكتمل التطهير فعلًا؟
يؤكد الجيش الإسرائيلي أن العمليات «اكتملت بشكل شبه كامل»، مع الإقرار بإمكانية وجود بقايا بنية تحتية مسلحة لم تُكتشف بعد.
هذا الإقرار يعكس مفارقة واضحة:
-
من جهة، إعلان إنجاز عسكري يهدف إلى تثبيت صورة السيطرة.
-
ومن جهة أخرى، اعتراف ضمني باستحالة الحسم الكامل، خاصة في بيئة حضرية كثيفة ومعقّدة كغزة.
-

أبعاد سياسية تتجاوز الميدان
لا يمكن فصل إعلان التطهير عن سياقه السياسي، إذ يتزامن مع:
-
نقاشات حول المرحلة التالية من اتفاق وقف إطلاق النار.
-
محاولات رسم معادلة حكم وأمن جديدة في غزة.
-
ضغوط دولية تتعلق بإعادة الإعمار، وعودة المساعدات، وترتيبات «اليوم التالي».
إسرائيليًا، يُستخدم «الخط الأصفر» كورقة تفاوضية، في مقابل ملفات أكثر تعقيدًا تتعلق بالحكم المدني، وإدارة المعابر، ومستقبل الفصائل المسلحة.
غزة ما تزال ساحة مفتوحة على احتمالات متعددة
بين إعلان «التطهير الكامل» وتحذيرات الشاباك من استمرار سيطرة حماس خارج الخط الأصفر، تتضح حقيقة واحدة:
غزة ما تزال ساحة مفتوحة على احتمالات متعددة، حيث لا تكفي السيطرة العسكرية الجزئية لضمان استقرار دائم، ولا يُمكن لخطوط مرسومة على الخرائط أن تحسم صراعًا جذوره سياسية وإنسانية بقدر ما هي أمنية.
















