مكالمة مسربة تهز المشهد الفلسطيني.. خلاف حاد بين علي عبد الله صالح وخالد مشعل حول صواريخ حماس وغارات إسرائيل على غزة
أعاد تسريب مكالمة هاتفية قديمة بين الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح، ورئيس المكتب السياسي السابق لحركة حماس خالد مشعل، فتح نقاش سياسي وأخلاقي شديد الحساسية حول طبيعة الصراع في غزة، وحدود العمل العسكري، ومسؤولية الفصائل الفلسطينية عن التداعيات الكارثية التي يتحملها المدنيون في قطاع غزة.
المكالمة، التي تعود إلى الفترة ما بين عامي 2008 و2009، أُعيد بثها مؤخرًا عبر وسائل إعلام تابعة لجماعة الحوثيين، ما أثار جدلًا واسعًا في الأوساط السياسية والإعلامية، ليس فقط بسبب مضمونها الصادم، بل أيضًا بسبب توقيت نشرها، في ظل حرب مدمرة يعيشها قطاع غزة منذ أواخر 2023.
خلفية المكالمة.. حرب «الرصاص المصبوب»
جرت المكالمة خلال العملية العسكرية الإسرائيلية على قطاع غزة المعروفة باسم «الرصاص المصبوب»، والتي استمرت من ديسمبر 2008 حتى يناير/ 2009.
وأسفرت تلك العملية عن:
-
مقتل أكثر من 1400 فلسطيني
-
إصابة الآلاف
-
دمار واسع في البنية التحتية والمنازل
-
تشديد الحصار على القطاع
وقد بررت إسرائيل حينها هجومها بأنه رد مباشر على إطلاق صواريخ من قطاع غزة باتجاه مدنها الجنوبية.
«أوقفوا صواريخكم».. صالح يحمّل حماس المسؤولية
بحسب التسجيل المسرّب، وجّه الرئيس اليمني السابق انتقادات حادة وغير مسبوقة لحركة حماس، معتبرًا أن إطلاق الصواريخ من غزة يمنح إسرائيل ذريعة مباشرة لتبرير هجماتها واسعة النطاق على المدنيين الفلسطينيين.
وقال صالح بلهجة حاسمة:
«أوقفوا الصواريخ.. أنتم تعطون إسرائيل المبرر لقتل الشعب الفلسطيني».
واعتبر أن هذه الصواريخ:
-
لا تحقق أهدافًا استراتيجية حقيقية
-
تُستخدم إعلاميًا وسياسيًا لتغطية الرد الإسرائيلي
-
تؤدي إلى مجازر جماعية بحق المدنيين
وأكد أن استمرار هذا النهج يضعف الموقف الفلسطيني دوليًا، ويقلل من حجم الضغط السياسي على إسرائيل.
تحذيرات مباشرة من مجازر المدنيين
لم يكتفِ صالح بانتقاد الصواريخ، بل ذهب أبعد من ذلك، محمّلًا حماس مسؤولية عدم اتخاذ إجراءات لحماية المدنيين، قائلًا بحسب التسجيل:
«جنبوا الفلسطينيين المجازر.. أنتم تعرفون الأهداف التي رصدتها إسرائيل، لماذا لم ترشدوا الناس لتجنب المناطق المستهدفة؟».
وأضاف أن الصواريخ التي تطلقها حماس:
«لم تحل أي مشكلة، بل زادت معاناة الشعب الفلسطيني».
وتعكس هذه العبارات رؤية سياسية ترى أن الكلفة الإنسانية للعمل العسكري غير المتكافئ تفوق أي مكاسب رمزية أو معنوية.
خالد مشعل يدافع عن خيار المقاومة
في المقابل، دافع خالد مشعل خلال المكالمة عن موقف حركة حماس، معتبرًا أن إطلاق الصواريخ يأتي في إطار الرد على الاعتداءات الإسرائيلية والحصار المفروض على غزة.
ودعا مشعل إلى أن يكون التركيز خلال القمم العربية والمشاورات الدولية على:
-
وقف العدوان الإسرائيلي
-
رفع الحصار عن قطاع غزة
-
تخفيف معاناة المدنيين
إلا أن صالح أصر على أن هذه الاستراتيجية، مهما كانت دوافعها، تمنح إسرائيل القدرة على تصوير عملياتها كدفاع عن النفس، ما يخفف حدة الانتقادات الدولية الموجهة لها.

دلالات سياسية للتسريب
يثير تسريب هذه المكالمة بعد أكثر من 15 عامًا تساؤلات عديدة، أبرزها:
-
لماذا أُعيد نشرها الآن؟
-
ما الرسائل السياسية الكامنة وراء توقيت التسريب؟
-
هل يُراد بها إعادة تقييم خيارات المقاومة المسلحة؟
ويأتي نشر التسجيل في أعقاب حرب مدمرة على غزة اندلعت بعد هجوم حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، والتي أعقبتها عملية عسكرية إسرائيلية واسعة النطاق حولت أجزاء كبيرة من القطاع إلى أنقاض، وأسفرت عن آلاف الضحايا.
صالح ومشعل.. مساران مختلفان
كان علي عبد الله صالح قد حكم اليمن لأكثر من ثلاثة عقود، قبل أن يُقتل في ديسمبر/كانون الأول 2017 خلال مواجهات مع جماعة الحوثيين، عقب انهيار التحالف الذي جمع الطرفين لفترة قصيرة.
أما خالد مشعل، فقد غادر رئاسة المكتب السياسي لحركة حماس في عام 2017، ولا يزال يُعد أحد أبرز قيادات الحركة في الخارج، وصوتًا مؤثرًا في قراراتها السياسية.
هل تعيد المكالمة طرح سؤال المسؤولية؟

يعيد هذا التسريب إلى الواجهة سؤالًا شائكًا ظل حاضرًا في كل جولات الصراع:
-
من يتحمل مسؤولية حماية المدنيين؟
-
وهل تبرر المقاومة المسلحة الكلفة الإنسانية الهائلة؟
-
أم أن غياب الخيارات السياسية يفرض واقعًا أكثر دموية؟
أسئلة تتجدد اليوم بقوة، في ظل واقع إنساني مأساوي يعيشه قطاع غزة، وسط انقسام عميق في الرؤى بين من يرى المقاومة خيارًا حتميًا، ومن يحذر من ثمنها الباهظ.
















