الدولار الأمريكي في 2025.. عام الانكسار الأكبر منذ عقود وسط صراعات الفائدة والضبابية السياسية
شهد الدولار الأمريكي خلال عام 2025 واحدًا من أكثر الأعوام اضطرابًا في تاريخه الحديث، بعدما دخل العام وسط موجة من التقلبات الحادة وعدم اليقين، ليجد نفسه مع اقتراب نهاية ديسمبر أمام واقع جديد يتسم بتراجع الثقة، وانكسار الزخم، وتغير نظرة المستثمرين إلى العملة الأقوى عالميًا.
هذه التحولات لم تكن وليدة عامل واحد، بل جاءت نتيجة تداخل معقد بين السياسات النقدية المتذبذبة للاحتياطي الفيدرالي، والتوترات السياسية داخل الولايات المتحدة، إلى جانب المشهد العالمي المضطرب اقتصاديًا، ما انعكس مباشرة على أداء مؤشر الدولار الأمريكي (DXY) مقابل سلة العملات الرئيسية.
وبحسب البيانات حتى منتصف ديسمبر/كانون الأول، يقترب مؤشر الدولار من تسجيل أكبر خسارة سنوية له منذ سنوات بنسبة تجاوزت 9.35%، في مشهد يعيد إلى الأذهان فترات تاريخية نادرة شهدت تراجع الهيمنة النقدية الأمريكية.
مؤشر الدولار الأمريكي.. خسائر تاريخية وضغوط متراكمة
استهل الدولار تعاملات الأسبوع الجاري، الذي بدأ الإثنين 15 ديسمبر/كانون الأول، على تراجع طفيف، وسط حالة من الحذر والترقب في الأسواق العالمية، حيث انخفض مؤشر الدولار بنحو 0.1% ليسجل 97.950 نقطة، مستقرًا بالقرب من أدنى مستوياته في شهرين.

هذا الأداء الضعيف يعكس خسائر تراكمية تجاوزت 9% منذ بداية العام، مدفوعة بقرار الاحتياطي الفيدرالي الأخير بخفض أسعار الفائدة، وبتزايد التوقعات بإمكانية تنفيذ خفض إضافي خلال عام 2026، وهو ما عمّق حالة الانقسام داخل الأسواق بشأن الاتجاه القادم للسياسة النقدية الأمريكية.
ويركز المستثمرون حاليًا على بيانات الوظائف الأمريكية، إلى جانب تصريحات أعضاء بارزين في مجلس الاحتياطي الفيدرالي، بحثًا عن إشارات أوضح حول مستقبل أسعار الفائدة والدولار.
سوق العمل الأمريكي وأزمة القروض الطلابية.. ضغوط داخلية تتصاعد
في موازاة التراجع النقدي، تواجه الولايات المتحدة تحديات داخلية متفاقمة، أبرزها أزمة القروض الطلابية، حيث تشير التقديرات إلى تعثر نحو 9 ملايين أمريكي عن السداد، ما يضغط على الاستهلاك والاستقرار المالي للأسر.
وفي هذا السياق، توقع محللو بنك ING أن يكون نمو الوظائف في نوفمبر/تشرين الثاني ضعيفًا، عند حدود 50 ألف وظيفة فقط، مع ارتفاع معدل البطالة إلى 4.5%، وهو سيناريو قد يدفع الأسواق إلى تسريع تسعير خفض الفائدة القادم.
وتزداد الضبابية مع اقتراب نهاية ولاية جيروم باول في مايو/أيار المقبل، حيث يترقب المستثمرون هوية رئيس الاحتياطي الفيدرالي الجديد، وسط ترشيحات محتملة من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تشمل كيفن وارش وكيفن هاسيت، ما يضيف بعدًا سياسيًا حساسًا لتحركات الدولار.
تحركات الدولار مقابل العملات العالمية
على صعيد العملات الرئيسية، شهد الجنيه الإسترليني ارتفاعًا طفيفًا إلى 1.3380 دولار، في حين تراجع الين الياباني إلى 155.16 ينًا للدولار، وسط استمرار السياسة النقدية التيسيرية في اليابان.
كما سجل الدولار مقابل اليوان الصيني 7.0499، متأثرًا بتباطؤ النشاط الاقتصادي في الصين، رغم تحسن محدود في بيانات مبيعات التجزئة. وفي المقابل، تراجع الدولار الأسترالي والنيوزيلندي بشكل طفيف، ما يعكس حالة التذبذب العالمي وعدم وضوح اتجاه العملة الأمريكية.

2025.. أسوأ عام نصف سنوي للدولار منذ 1973
يُعد عام 2025 استثنائيًا بكل المقاييس بالنسبة لمؤشر الدولار، إذ سجل هبوطًا بنحو 10.8% خلال النصف الأول من العام، وهو أسوأ أداء نصف سنوي منذ عام 1973، حين تراجع المؤشر بنسبة 14.8%.
ويرجع المحللون هذا الأداء الكارثي إلى موجة تخارج واسعة من الأصول الأمريكية، بما في ذلك الأسهم والسندات، كرد فعل على سياسات الحماية التجارية، والحرب التجارية التي أعاد ترامب إشعالها، فضلًا عن الضبابية في السياسة المالية الأمريكية.
ورغم ذلك، نجح الدولار في تسجيل مكاسب خلال ثلاثة أشهر فقط في النصف الثاني من العام (يوليو، سبتمبر، أكتوبر)، وكان أكتوبر الأفضل أداءً، مدعومًا بتصريحات جيروم باول التي ألمحت إلى أن خفض الفائدة مجددًا ليس أمرًا محسومًا.
سهر الدماطي: الدولار قد يصعد مؤقتًا لكن 2025 كان عامًا سيئًا
الخبيرة المصرفية سهر الدماطي توقعت صعودًا محدودًا للدولار على المدى القصير، مدفوعًا بالمخاطر السياسية والمالية في أوروبا وآسيا، خاصة في فرنسا واليابان والمملكة المتحدة، والتي أثرت سلبًا على عملاتها المحلية.
إلا أنها أكدت أن عام 2025 يظل عامًا سلبيًا للدولار بامتياز، مشيرة إلى أن النصف الأول منه كان الأسوأ منذ عقود، بسبب اضطرابات سوق الصرف الأجنبي الناتجة عن السياسات الأمريكية التجارية والمالية.
سياسات الاحتياطي الفيدرالي.. عامل الحسم في مسار الدولار
لعب الاحتياطي الفيدرالي الدور الأبرز في رسم مسار الدولار خلال 2025، إذ تراوحت قراراته بين تثبيت الفائدة وخفضها، في ظل بيانات اقتصادية ضعيفة وتباطؤ النشاط، ما خلق حالة من الترقب وعدم اليقين في الأسواق.
وتباينت مواقف أعضاء الفيدرالي، حيث دعا بعضهم، مثل أوستان جولسبي، إلى الحذر وعدم التسرع، بينما واصل ترامب الضغط لخفض الفائدة إلى مستويات دنيا عالميًا، ما عمّق التناقض في الرؤى حول مستقبل السياسة النقدية.
الأسواق العالمية.. العملات تحت ضغط الدولار رغم تراجعه
رغم ضعف الدولار، إلا أن العملات العالمية لم تكن في وضع أفضل، إذ تراجع اليورو إلى 1.1540 دولار، وهو أدنى مستوى منذ أغسطس/آب، فيما سجل الجنيه الإسترليني أدنى مستوياته منذ أبريل/نيسان.
وفي آسيا، هبط الين الياباني بنسبة 4% خلال العام، وتراجع الوون الكوري الجنوبي بنسبة 1.7%، وسط مخاوف من اتساع فجوة الفائدة بين الولايات المتحدة والدول الآسيوية.
توقعات الدولار في 2026.. سيناريوهات مفتوحة
تشير عقود انعكاس المخاطر إلى استمرار تقلبات الدولار حتى نهاية 2025 وبداية 2026، مع توقعات بتراجع مؤشر الدولار بنحو 3% العام المقبل، وفق تقديرات بلومبرغ، في حال تنفيذ خفض جديد للفائدة.
لكن المشهد لا يزال معقدًا، إذ يتأثر الدولار بعوامل متعددة، تشمل السياسة النقدية، والتوترات السياسية، وأداء الاقتصاد العالمي، وقرارات البنوك المركزية الكبرى، ما يجعل أي توقعات نهائية محفوفة بالمخاطر.
















