حي الخليفة نموذجًا لحماية المقابر والآثار بين التراث والمناخ.. تجربة مشروع «إرث 2» تفتح آفاقًا جديدة للحفاظ على الهوية
في قلب القاهرة التاريخية، حيث تتجاور القباب الأثرية مع البيوت القديمة، ويعيش السكان على إيقاع تاريخ يمتد لقرون، يبرز مشروع الأثر لنا للتراث والمناخ – إرث 2 كواحد من أهم النماذج المعاصرة التي تعيد تعريف مفهوم الحفاظ على التراث، ليس باعتباره ماضيًا جامدًا، بل ككائن حي يتفاعل مع المجتمع والبيئة والمناخ.
النسخة الثانية عشرة من فعالية «اقضي يومك في الخليفة» لم تكن مجرد جولة تعريفية أو نشاط ثقافي عابر، بل تجربة متكاملة تجمع بين حماية المقابر والآثار، وتعزيز الوعي البيئي، وربط السكان المحليين بتاريخهم اليومي في إطار عملي يواجه تحديات التغير المناخي وضغوط التوسع العمراني.
حي الخليفة.. تاريخ حيّ يرويه أهله
زيارة حي الخليفة من خلال مشروع إرث 2 تتيح للزائر رؤية المكان بعيون ساكنيه، لا من خلال الكتب فقط، بل عبر القصص اليومية، والعلاقات الإنسانية المتشابكة مع القباب والمقابر التاريخية. فالحي ليس مجرد موقع أثري، بل نسيج اجتماعي حي، يعيش فيه الناس جنبًا إلى جنب مع التراث.
وتبرز هنا مسارات التخضير التي تنفذها مبادرة الأثر لنا، والتي تؤكد أن حماية التراث لا تنفصل عن حماية البيئة، وأن التراث والمناخ خطان متوازيان لا يمكن الفصل بينهما في مدن تاريخية مثل القاهرة.
المقابر الصغرى وقبة يحيى الشبيه.. ذاكرة لا يجوز هدمها

أحد أهم محطات المشروع كان الانغماس في منطقة المقابر الصغرى، حيث قدمت قبة يحيى الشبيه تجربة تفاعلية حيّة، تُظهر كيف يمكن للمواقع الجنائزية أن تتحول من مساحات مهمشة إلى نقاط وعي ثقافي ومجتمعي.
حماية المقابر والآثار من الهدم أو التدهور لا تعني فقط الحفاظ على مبانٍ حجرية، بل تمثل حماية لذاكرة المجتمع وهويته الثقافية، وربط الأجيال الجديدة بتاريخها، في مواجهة موجات الإزالة والتشويه التي تهدد التراث العمراني.

حسن هدهد.. شاهد حي على التاريخ
برز دور حسن هدهد، أحد أبناء حي الخليفة، كعنصر إنساني محوري في تجربة مشروع إرث 2. لم يكن مجرد دليل سياحي، بل راوٍ حقيقي للتاريخ، ينقل للزوار تفاصيل حياته اليومية، وعلاقته بالقباب التاريخية، وكيف يتعايش السكان مع الآثار باعتبارها جزءًا من حياتهم لا عبئًا عليها.
هذا البعد الإنساني أضفى على التجربة عمقًا خاصًا، وحوّل الجولة من نشاط تعليمي إلى معايشة حقيقية للتاريخ، يعيشها الزائر مع أحد شهوده.
منتجات مستوحاة من التراث.. عندما يصبح التاريخ ملموسًا

في إطار ربط الماضي بالحاضر، شهد المشروع إطلاق مجموعة جديدة من المنتجات المستوحاة من قبة صفي الدين جوهر وقبة يحيى الشبيه. هذه المنتجات لم تُقدَّم كتذكارات تقليدية، بل كوسيلة معاصرة لجعل التراث جزءًا من الحياة اليومية، وتعزيز ارتباط المجتمع والزوار بالمواقع الأثرية بطريقة إبداعية ومستدامة.
التراث والمناخ.. رؤية لمستقبل مستدام
من منظور أوسع، يقدم مشروع إرث 2 نموذجًا ملهمًا في دمج الثقافة البيئية بالثقافة التراثية. ففي ظل التحديات المناخية المتزايدة، يصبح ربط الناس بالمناطق التاريخية والمساحات الخضراء ضرورة، لا رفاهية.
المشروع يؤكد أن حماية الآثار والمقابر مسؤولية جماعية، لا تقتصر على الدولة وحدها، بل تتطلب مشاركة المجتمع المحلي، من خلال الفعاليات، والتوعية، والدعم المستمر لمبادرات الحفاظ على التراث.

«اقضي يومك في الخليفة».. أكثر من جولة سياحية
تجربة «اقضي يومك في الخليفة» ليست مجرد رحلة ثقافية، بل درس عملي في كيفية دمج التراث والمناخ والمجتمع المحلي في منظومة واحدة. إنها دعوة مفتوحة للتفاعل مع التاريخ بوصفه عنصرًا حيًا، ولتحويل الوعي البيئي والحفاظ على الآثار إلى سلوك يومي.
مشروع إرث 2 يثبت أن التراث ليس بقايا ماضٍ، بل طاقة حاضرة قادرة على بناء مستقبل مستدام، إذا ما تم التعامل معه بوعي ومسؤولية.




