في موقف يهزّ حكام العالم… رئيس بنغلادش يعلن عزمه التنحي لشعورة بالإهانة
في مشهد سياسي غير مسبوق يضيف مزيدًا من التعقيد للمشهد البنغلاديشي المترنّح منذ أشهر، أعلن رئيس بنغلادش محمد شهاب الدين، الخميس، أنه يعتزم ترك منصبه في منتصف ولايته، بعد انتخابات البرلمان المقرر عقدها في فبراير/شباط المقبل. القرار المفاجئ جاء في لحظة تاريخية تعيش فيها البلاد فراغًا في السلطة وتحوّلات جذرية في أعقاب الانتفاضة الطلابية التي قلبت الموازين، وجعلت العالم يراقب دهشةً ما يجري داخل الدولة الآسيوية التي أصبحت نموذجًا لصراع الإرادة الشعبية مع السلطة التقليدية.
هذا الإعلان أثار اهتمام المجتمع الدولي، ليس فقط كونه صادراً عن رئيس دولة، بل لأنه يعكس تصدّعًا داخل السلطة المؤقتة وتوترًا حادًا بين المؤسسات التنفيذية والدستورية، وسط اتهامات من الرئيس بأنه تعرض لـ"إهانة" من الحكومة المؤقتة برئاسة الاقتصادي البارز والحائز على نوبل محمد يونس.
خلفيات الأزمة… من انتفاضة طلابية إلى انهيار الحكومة القديمة
سقوط الشيخة حسينة وهروبها إلى الهند
شهدت بنغلادش اضطرابات سياسية غير مسبوقة بعد الانتفاضة الطلابية التي أطاحت برئيسة الوزراء الشيخة حسينة، التي حكمت البلاد لفترة طويلة قبل أن تضطر للفرار إلى نيودلهي في أغسطس/آب 2024. ومع حلّ البرلمان، أصبح الرئيس محمد شهاب الدين آخر سلطة دستورية قائمة، ما منح منصبه، الذي كان يُعدّ رمزيًا، وزنًا سياسيًا استثنائيًا.
دماء الطلاب التي غيّرت مجرى التاريخ
المظاهرات التي اجتاحت البلاد لم تكن احتجاجًا عابرًا، بل حركة سياسية واجتماعية واسعة جاءت بعد سقوط قتلى من الطلاب، وهو ما دفع آلاف الجامعيين إلى تعليق الاحتجاجات عقب تحقيق أول انتصار لهم بسقوط الحكومة السابقة.
لماذا يريد الرئيس التنحي؟… لغز الإهانة التي فجّرت الأزمة
في مقابلة عبر "واتساب" من مقر إقامته الرسمي في داكا، قال شهاب الدين:
"أنا حريص على الرحيل… مهتم بالخروج"، مؤكدًا أنه سيبقى في منصبه فقط "حتى إجراء الانتخابات" التزامًا بالدستور.
لكن الرئيس رفض الكشف عن طبيعة الإهانة التي يزعم أنها صدرت عن الحكومة المؤقتة بقيادة محمد يونس. هذا الغموض يترك الباب مفتوحًا أمام تكهنات سياسية ضخمة، أبرزها وجود خلافات عميقة حول تقاسم الصلاحيات، إدارة المرحلة الانتقالية، ومصير الإصلاحات الدستورية المرتقبة.

بنغلادش نحو انتخابات مفصلية واستفتاء تاريخي
موعد الانتخابات وتفاصيلها
أعلنت لجنة الانتخابات أن الانتخابات البرلمانية ستُجرى في 12 فبراير/شباط المقبل، وهي الانتخابات الأولى منذ سقوط حكومة حسينة، وستُقام بالتزامن مع استفتاء شعبي على ميثاق إصلاح ديموقراطي تاريخي.
منع حزب “رابطة عوامي” من خوض الانتخابات
القرار بمنع الحزب الحاكم سابقًا من الترشح يعطي الانتخابات طابعًا استثنائيًا ويطرح تساؤلات حول مستقبل العملية السياسية وقدرتها على احتضان جميع الأطراف.
الحكومة المؤقتة على وشك الرحيل… ماذا بعد؟
أكدت لجنة الانتخابات أن رئيس الحكومة الانتقالية محمد يونس سيغادر منصبه بعد انتهاء الانتخابات مباشرة، تنفيذًا لمطالب المتظاهرين الذين أرادوا حكومة محايدة لإدارة المرحلة الانتخابية.
ودعا رئيس اللجنة جميع القوى السياسية إلى المشاركة بفعالية لإنجاح العملية الانتخابية، قائلاً:
"أحض الجميع على القيام بدور تاريخي في مسيرتنا الديموقراطية".
دلالات عالمية… لماذا يُعد هذا الموقف صدمة لقادة العالم؟
ما يجري في بنغلادش لا يُقرأ في سياقه المحلي فقط، بل في سياق عالمي أوسع، حيث تتزايد الضغوط الشعبية على الأنظمة السياسية في عدة دول، وتبرز موجات احتجاجية تُسقط حكومات وتعيد تشكيل مؤسسات السلطة.
تخلي رئيس دولة عن منصبه طوعًا في منتصف ولايته بسبب "الإهانة" يرسل رسالة سياسية قوية حول تحولات ميزان القوة بين الشعوب والحكومات، ويمثل حالة نادرة تُتابَع عن كثب من قِبل صُنّاع القرار حول العالم.
رئيس يريد الرحيل و حكومة مؤقتة تواجه اتهامات، وانتخابات تحمل مستقبل البلاد
بنغلادش تقف اليوم على مفترق طرق تاريخي. رئيس يريد الرحيل، حكومة مؤقتة تواجه اتهامات، وانتخابات تحمل مستقبل البلاد بين طياتها. وبين كل هذا، تبقى أعين العالم مسلّطة على المشهد السياسي البالغ التعقيد، مترقّبة ما إذا كانت هذه التحولات ستقود البلاد نحو ديموقراطية راسخة أم اضطرابات جديدة.
















