تصريحات الرئيس السوري تُشعل الغضب في مصر.. وصعود الجولاني يعمّق المخاوف من مستقبل سوريا السياسي
بينما تعيش الساحة السورية حالة من التحولات العميقة، يبرز على الواجهة السياسية اسم أبو محمد الجولاني الذي يتحرك بخطوات واضحة نحو الاقتراب من الحكم، معتمدًا على بوابة التيارات المتطرفة والإرهابية التي تمددت داخل البلاد مع طول أمد الصراع. هذا المسار يثير قلقًا بالغًا في القاهرة، إذ أن مصر دولة مبادئ وقيم وترفض بشكل قاطع صعود أي مشروع سياسي يقوم على التطرف أو العنف.
ورغم هذا الرفض، تؤكد مصر في كل مناسبة حرصها الثابت على وحدة الأراضي السورية، ورفضها لتفكيك الدولة أو تحويلها إلى ساحة نفوذ بين قوى متصارعة. ومن هذا المنطلق، كان موقفها الواضح من العدوان الإسرائيلي المستمر على سوريا، وهو موقف يستند إلى ثوابت قومية راسخة تؤمن بضرورة حماية الدول العربية من أي اعتداء خارجي.
وفي ظل هذا المشهد الملتبس، جاءت تصريحات الرئيس السوري أحمد الشرع لتصب الزيت على النار، إذ أثارت موجة غضب واسعة بين المصريين على مواقع التواصل الاجتماعي، بعد وصفه العلاقات السورية – المصرية بأنها "مقبولة" فقط.
تصريحات الشرع تغضب المصريين: "العلاقة مقبولة" مع مصر
خلال لقاء جمعه بوفد من أبناء العاصمة دمشق، قال الشرع إن علاقات سوريا مع كل من تركيا والسعودية وقطر والإمارات "مثالية"، بينما وصف العلاقات مع مصر والعراق بأنها فقط "مقبولة"، آملاً أن تتطور لاحقًا.
ما أثار الغضب في القاهرة هو أن الشرع تجاهل الدور المصري التاريخي في دعم سوريا، سواء عبر المواقف السياسية أو الدفاع عن وحدة الدولة السورية في المحافل الدولية، أو عبر رفض العدوان الإسرائيلي المتكرر على الأراضي السورية. كما تجاهل أن مصر كانت وما تزال من أكثر الدول حرصًا على ألا تقع سوريا في يد التنظيمات المتطرفة التي يتحرك الجولاني تحت مظلتها اليوم.
الشرع يتحدث عن علاقات "مثالية" مع تركيا وقطر والسعودية
صرّح الشرع بأن سوريا تمكنت — على حد قوله — من تحقيق توازن غير مسبوق في علاقاتها الدولية، مشيدًا بعلاقات بلاده مع الولايات المتحدة وروسيا والصين. وعلى الصعيد الإقليمي، قال الرئيس السوري إن علاقاته مع:
-
تركيا
-
السعودية
-
قطر
-
الإمارات
هي علاقات مثالية و"في أحسن حال".
هذا الوصف بدا متناقضًا مع الواقع السياسي، خاصة أن بعض هذه الدول كانت في السنوات الماضية من أبرز الداعمين لفصائل مسلحة، بعضها مرتبط بقيادات متطرفة، الأمر الذي يعمّق التخوّف من أن خطوة الجولاني نحو النفوذ السياسي تحظى بغطاء إقليمي.

موقف مصر الواضح: لا لدعم المتطرفين.. ونعم لوحدة سوريا
ترفض القاهرة بشكل قاطع أي محاولة لفرض نفوذ سياسي عبر التيارات الإرهابية أو المتشددة.
وتُذكّر الدوائر الدبلوماسية المصرية بأن مصر دعمت وحدة سوريا منذ بداية الأزمة، ورفضت كل المشاريع التي كانت تهدف لتفكيك الدولة أو تقسيمها.
كما كانت مصر من أوائل الدول التي نددت بوضوح بالعدوان الإسرائيلي المتكرر على سوريا، معتبرة أن أمن سوريا جزء لا يتجزأ من الأمن القومي العربي.
وهنا يصبح تصريح الشرع عن أن العلاقات مع مصر "مقبولة" فقط، مستفزًا لكونه يتجاهل تلك المواقف الثابتة.
تصريحات سابقة للشرع تُعيد الجدل
لم تكن هذه المرة الأولى التي يثير فيها الشرع الجدل. ففي أكتوبر الماضي، أدلى بتصريحات أشاد فيها بدول الخليج، واصفًا إياها بالناجحة والمتقدمة، بينما صنّف مصر والعراق ضمن الدول التي لديها "نجاحات" ولكن ليست بنفس مستوى التطور.
وقال حينها إن سوريا تملك "امتيازات كبيرة" إذا اجتمعت مع رؤية مثل رؤية السعودية 2030، معتبرًا أن التكامل ممكن مع تلك الدول الخليجية.
هذا الخطاب بدا أقرب إلى إعادة التموضع السياسي في مرحلة انتقالية حساسة، تزامناً مع صعود الجولاني وتحركاته السياسية الهادفة إلى اختراق المشهد السوري وإعادة تشكيله من بوابة الميليشيات المتشددة.
سوريا بين تحولات الداخل وضغوط الخارج
ترى مصادر سياسية مصرية أن تصريحات الشرع تأتي في إطار محاولة لإعادة بناء شبكة العلاقات الإقليمية والدولية لسوريا، لكنها في الوقت نفسه تُغفل المخاطر الحقيقية التي يمثلها صعود الجولاني، والذي تحاول بعض القوى تقديمه كـ"خيار سياسي" رغم سجله الفكري والتنظيمي المتشدد.
وتحذّر هذه المصادر من أن صعود شخصيات مرتبطة بتيارات التطرف يمكن أن يُدخل سوريا في دائرة جديدة من العنف، وهو سيناريو لا تقبل به مصر نهائيًا، لأنها تؤمن بأن مستقبل سوريا يجب أن يُبنى على:
-
دولة موحدة
-
جيش وطني واحد
-
إقصاء كامل للمتطرفين من المشهد السياسي
قوى متطرفة داخل سوريا تسعي فرض نفوذ سياسي
تأتي تصريحات الرئيس السوري أحمد الشرع في وقت بالغ الحساسية، بينما تتحرك قوى متطرفة داخل سوريا لمحاولة فرض نفوذ سياسي بقيادة أبو محمد الجولاني.
ومع أن هذا الاتجاه لا يروق لمصر ولا يتوافق مع رؤيتها للأمن الإقليمي، إلا أن مصر تظل ثابتة على مبادئها:
رفض التطرف، دعم وحدة سوريا، والتصدي لكل عدوان خارجي، خصوصًا الاعتداءات الإسرائيلية المستمرة.
وفي ظل هذه التحولات، تبدو مصر أكثر تمسكًا بثوابتها، وأكثر حرصًا على أن يبقى القرار السوري بعيدًا عن أيدي التنظيمات المتشددة.




